الثاني: أن قولهم: إنما خيرَا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. فاسد، بل كان الأولى أن يخيرا بين التوبة والعذاب؛ لأن الله تعالى خير بينهما من أشرك طول عمره، فكيف يبخل عليهما بذلك؟. هذا كلام الإمام الرازي.
الثالث: أن من أعجب الأمور قولهم: إنهما يعلمان السحر في حال كونهما معذبين، ويدعوان إليه وهما يعاقبان.
أما الإمام القرطبي، فقد قال في قصة هاروت وماروت: قلنا: هذا أثر ضعيف، وبعيد عن ابن عمر وغيره، لا يصح منه شيء، فإنه قول تدفعه الأصول في الملائكة الذين هم أمناءُ الله على وحيه وسفراؤه إلى رسله. ثم ذكر نحو ما سبق عن الإمام الرازي في عصمتهم.
الإمام ابن كثير: فقد حكم بوضع المرفوع من هذه القصة، قال: وهذا منشؤه روايات إسرائيلية أخذت عن كعب الأحبار وغيره، وألصقها زنادقة أهل الكتاب بالإسلام زورًا وبهتانًا، والشهاب العراقي نص على أن من اعتقد في هاروت وماروت أنهما ملكان يعذبان على خطيئتهما، فهو كافر بالله العظيم.
وقال صاحب (الميزان) بعدما ذكر أسانيد الروايات: وهذه قصة خرافية تنسب إلى الملائكة المكرمين، الذين وصَّى القرآن على نزاهة ساحتهم، وطهارة وجودهم عن الشرك، والمعصية أغلظ الشرك وأقبح المعصية، وهو: عبادة الصنم والقتل والزنا وشرب الخمر، كل هذا نسب إليهم، وتنسب إلى كوكب الزهرة أنها امرأة زانية مسخت، إنها لأضحوكة، ثم كيف للعقل أن يقبل أن المرأة الفاجرة الزهرة ترفع إلى السماء وتكرم وتصير كوكبًا مضيئًا.
هذا إشارة إلى تفاصيل هذه الرواية في الكتب التي ذكرتها مفصلة.