أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم، كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه. يفسر الزمخشري الرؤية لله -عز وجل- بمعنى التوقع، وحتى لا تتصادم الآية مع مبدأ المعتزلة في نفي رؤية الله -سبحانه وتعالى- قالوا هذا؛ مع أن الآية صريحة وواضحة في إثبات رؤية اللهِ للمؤمنينَ في الآخرة.
ولذلك يعلق عليه العلامة ابن المنير بقوله: ما أقصر لسانه، أي: لسان الزمخشري عند هذه الآية، فكم له يدندن ويطبل في حجر الرؤية، ويشقق القباء، ويكثر ويتعمق؛ فلما فغرت هذه الآية فاه صنع في مصادمتها بالاستدلال.
هذه نماذج من تفاسير المعتزلة وما أكثرها في تفسير العلامة الزمخشري. ومن أراد المزيد فعليه الرجوع إلى هذا التفسير الذي كشف عوارَهُ الإمام ابن المنير في كتابه (الإنصاف فيما جاء من الاعتزال في تفسير الكشاف).
هذا الإلحاد المتعمد في التفسير، ورد عن فِرَقٍ دخلت الإسلام بقصد القضاء عليه، لا حبًّا في الإسلام من هذه الفرق الباطنية. والباطنية اسم يطلق على جماعات متعددة من غلاة الشيعة، كالإسماعيلية، والقرامطة، والخرمية، والرافضة، وإنما أطلق عليهم جميعًا هذا الاسم؛ لاشتراكهم جميعًا في مبدأ التأويل الباطني، وللنصوص الشرعية، وهذه الدعوة ظهرت أولًا في زمن المأمون، وانتشرت في زمان المعتصم، ولها فروع، وتكاثرت هذه الفرقة، ثم نتج عنها فِرَق قاديانية والبابية، والبهائية.