فقد جزم الشيخ أبو محمد الجويني، والد إمام الحرمين جزم بتكفير واضع الحديث؛ الجويني هذا من بلد اسمها جوين ناحية من نواحي نيسابور، حكم بتكفير واضع الحديث، وهذا كلام ينسب إليه، ووافقه الإمام ناصر الدين أحمد بن محمد بن المنير المالكي صاحب التعليق وكشف الاعتزاليات في كتاب (الكشاف) للزمخشري، وتابعه أيضًا بعض الحنابلة، والإمام الذهبي وافقهم على هذا الرأي في تعمد الكذب في الحلال والحرام؛ قال: إن الكذب في الحلال والحرام يكفر به صاحبه، هذا باختصارٍ شديدٍ، ومعنا الحديث الذي بلغ مبلغ التواتر: ((إن كذبًا علي ليس ككذب على أحد فمن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)) الحديث متفق عليه، وروي من طرقٍ كثيرة حتى قال العلماء: إنه متواتر.
والمسألة التالية هذا الوضع في التفسير بالمأثور -وضع الأحاديث- وامتلاء كتب التفسير بها متى نشأ؟
نشأ الوضع في التفسير مع نشأة الوضع في الحديث؛ لأن التفسير والحديث كانا مزيجًا لا يستقل أحدهما عن الآخر؛ فكما نجد الحديث الصحيح، والحسن، والضعيف، وفي رواية من هو موثوق به، ومن هو مشكوك فيه، ومن عرف بالوضع نجد مثل ذلك فيما روي من التفسير، ومن روى من المفسرين.
وكان مبدأ ظهور الوضع في الحديث، كما قال كثيرٌ من العلماء: سنة أربعين، أو إحدى وأربعين من الهجرة، كما ذكر شيخنا الشيخ الذهبي في (التفسير والمفسرون) أو في أواخر عصر الخلفاء الراشدين وأوائل عصر بني أمية حين وقعت الفتنة بين المسلمين، وتم أن قتل سيدنا عثمان -رضي الله عنه- واختلف المسلمون سياسيًّا، وتفرقوا إلى شيعة وخوارج وجمهور أهل السنة، والخوارج يعادون الشيعة، وهناك فرق أخرى.