بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الرابع عشر
(نماذج من الإسرائيليات في القصص القرآني (12))
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ففي يوم العبادة بينما كان مشتغلًا بعبادة ربه في محرابه دخل عليه خصمان، ت س ورا عليه من ال س ور، ولم يدخلا من المدخل المعتاد - أي: من الباب - فارتاع منهما، فوجئ وحصل له شيء من المفاجأة وفزع فزعًا لا يليق بمثله من المؤمنين، فضلًا عن الأنبياء المتوكلين على الله غاية التوكل الواثقين بحفظه ورعايته، وظن بهما سوءًا، وأنهما جاءا ليقتلاه، أو ليبغيا به شرًّا، ولكن تبين له أن الأمر على خلاف ما ظن، وأنهما خصمان جاءا يحتكمان إليه فلما قضى بينهما وتبين له أنهما بريئان مما ظنه بهما، استغفر ربه، وخر ساجدًا لله تعالى تحقيقًا لصدق توبته والإخلاص له، وأناب إلى الله غاية الإنابة.
ومثل الأنبياء في علو شأنهم وقوة ثقتهم بالله والتوكل عليه، ألا تعلق نفوسهم بمثل هذه الظنون بالأبرياء، ومثل هذا الظن وإن لم يكن ذنبًا بالعادة إلا أنه بالنسبة للأنبياء يعتبر خلاف الأولى، والأليق بهم، وقديمًا قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، فالرجلان خصمان حقيقة وليسا ملكين كما زعموا، والنعاج على حقيقتها، وليس ثمة رموز ولا إشارات وهذا التأويل هو الذي يوافق نظم القرآن، ويتفق مع عصمة الأنبياء، فالواجب الأخذ به ونبذ الخرافات والأباطيل التي هي من صنع بني إسرائيل، وتلقفها القصاص، وأمثالهم ممن لا علم عندهم ولا تمييز بين الغث والسمين.