ونظر عيسى والحواريون؛ فإذا ما عليها كهيئته إذ نزلت من السماء لم ينقص منها شيء، ثم إنها رفعت إلى السماء وهم ينظرون فاستغنى كل فقير أكل منه، وبرئ كل زمن أكل منه، وندم الحواريون وأصحابهم الذين أبوا أن يأكلوا منها ندامة سالت منها أشفارهم، وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى يوم الممات.
يعلق على هذه القصة فيقول: هذا مما يضعف القصة ويدل على الاختلاق، وإلا فكيف يطلبونها ثم يمتنعون عن الأكل؛ لأن عيسى لم يبدأ به تعليق على كلام هذه القصة، وكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبل إليها بنو إسرائيل يسعون من كل مكان، يزاحم بعضهم بعضًا؛ فلما رأى ذلك جعلها نوبًا تنزل يومًا ولا تنزل يومً، ومكثوا على ذلك أربعين يومًا تنزل عليهم غبًّا عند ارتفاع النهار، فلا تزال موضوعة يؤكل منها حتى إذا قالوا -أي: جلسوا في وقت القيلولة وسط النهار- ارتفعت عنهم إلى جو السماء وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى تتوارى عنهم.
هناك تعليق على هذ؛ فالقرآن الكريم يدل دلالة واضحة على أن المائدة لم تنزل إلا مرة واحدة، وهذا الكلام يدل على تكرار نزولها، وهذا أيضًا يدل على اختلاف تفاصيل القصة، وهذا واضح أنها من تزايدات بني إسرائيل.
بقية الكلام: فأوحى الله -تعالى- إلى عيسى -عليه الصلاة والسلام- أن اجعل رزق لليتامى والمساكين والزمنى دون الأغنياء من الناس؛ فلما فعل ذلك ارتاب بها الأغنياء وغمصوا ذلك حتى شكوا فيها في أنفسهم، وشككوا فيها الناس وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر، وأدرك الشيطان منهم حاجته وقذف وساوسه في قلوب المرتابين؛ فلما علم عيسى ذلك منهم قال: هلكتم وإله المسيح، سألتم نبيكم أن يطلب المائدة لكم إلى ربكم؛ فلما فعل وأنزلها عليكم رحمة ورزقًا وأراكم فيها