لكن هنا نسأل: ما المراد بالبرهان الذي رآه؟ المراد هو حجة الله الباهرة الدالة على قبح الزنى، وهو شيء مركوز في فطر الأنبياء، ومعرفه ذلك عندهم وصل إلى عين اليقين، وهو ما نعبر عنه بالعصمة؛ فهذا البرهان هو الفطرة النقية والقلب السليم والإخلاص الذي ركزه رب العالمين في قلوب الأنبياء، والعصمة هي التي تحولُ بين الأنبياء والمرسلين وبين وقوعهم في المعصية.
ويرحم الله الإمام جعفر بن محمد الصادق -رضي الله عنهما- حيث قال: البرهان النبوة التي أودعها الله في صدره حالت بينه وبين ما يُسخط الله -عز وجل- وهذا هو القول الجزل الذي يوافق ما دل عليه العقل من عصمة الأنبياء، ويدعو إليه السابق واللاحق.
وأما كون جواب "لول" لا يجوز أن يتقدم عليها؛ فهذا أمر ليس ذا خطر حتى نعدل عن هذا الرأي الصواب إلى التفسيرات الأخرى الباطلة لهمّ يوسف -عليه السلام- والقرآن هو أصل اللغة؛ فورود أي أسلوب في القرآن يكفي في كونه أسلوبًا عربيًّا فصيحًا، وفي تأصيل أي قاعدة من القواعد النحوية؛ أي: إن كلمات القرآن ولغة القرآن يُقعّد منها، ولا يُقعد عليها؛ فلا يجوزُ لأجل الأخذ بقاعدة نحوية أن نقع في محظورٍ لا يليق بالأنبياء كهذا، وخاصة أن قواعد النحو قواعد أغلبية وليست مجمع عليها من جميع العرب.
وقد قال الإمام الألوسي في تفسيره في الرد على المُبرد في تشنيعه على قراءة حمزة -هذا في موضع آخر- وحمزة أحد القراء السبعة فله قراءة في قوله: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ" (النساء: 1) بجر لفظ "الأرحام" عطفًا على الضمير المجرور من غير إعادة حرف الجر، وحمزة أحد القراء السبعة الذين قالوا أساطين الدين: إنّ قراءتهم متواترة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومع هذا لم يقرأ به وحده، بل قرأ به جماعه من غير السبعة؛ كابن مسعود وابن عباس والنخعي والحسن البصري وقتادة ومجاهد وغيرهم كما نقله ابن يعيش.