وكل ذلك مرجعه إلى أخبار بني إسرائيل وأكاذيبهم التي افتجروها على الله وعلى رسله، وحمله إلى بعض الصحابة والتابعين كعب الأحبار ووهب بن منبه، وأمثالهما، وليس أدلّ على هذا مما رُوي عن وهب بن منبه قال: لما خلا يوسف وامرأة العزيز خرجت كفٌّ بلا جسد بينهما مكتوب عليها بالعبرانية: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت، ثم انصرفت الكف، وقاما مقامهما، ثم رجعت الكفّ بينهما مكتوب عليها بالعبرانية: وإنا عليكم لحافظين كرامًا كاتبين يعلمون ما تفعلون، ثم انصرفت الكفّ وقاما مقامهما، فعادت الكف الثالثة مكتوب عليها: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلًا، وانصرفت الكف وقاما مقامهما، فعادت الكف الرابعة مكتوب عليها بالعبرانية: واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون؛ فولى يوسف -عليه السلام- هاربًا.
هذا الكلام في (الدر المنثور) رواه الإمام السيوطي وغيره.
وقد كان وهب أو من نقل عنه وهب ذكيًّا بارعًا حينما زعم أن ذلك كان مكتوبًا بالعبرانية، وبذلك أجاب عمَّا استشكله، ولكن مع هذا لن يجوز هذا الكذب إلا على الأغرار والسُّذَّج من أهل العلم، ولا أدري أيّ معنى يبقى للعصمة بعد أن جلس بين فخذها وخلع سرواله، وما امتناعه عن الزن ى على مروياتهم المفتراة إلا وهو مقهور مغلوب، ولو أن عربيدًا رأى سورة أبيه بعد مماته تحذره من معصية؛ لكفَّ عنها وانزجر، فأي فضل ليوسف إذًا وهو نبي من سلالة أنبياء.
ويتابع شيخنا الشيخ أبو شهبه فيقول: بل أي فضل له في عدم مقارفته الفاحشة بعدما خرجت شهوته من أنامل قدميه، وما امتناعه حينئذٍ إلا قصريٌّ جبريّ، ثم ما هذا الاضطراب الفاحش في الروايات، أليس الاضطراب الذي لا يمكن