وقد كانت معظم الروايات في بيان العباد ذوي البأس الشديد الذين سُلِّطوا عليهم تدور حول هذا الرجل "بختنصر" هذا البابلي، ولكن أحاطوه بهالة من العجائب والغرائب والمبالغات التي لا تُصدَّق، ومن العجيب أن هذه الروايات قد أخرجها ابن جرير في ت فسيره، وأكثر منها جدًّا، وكذا ابن أبي حاتم والبغوي وغيرهم عن ابن عباس وابن مسعود، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وعن السدي، وعن وهب بن منبه، وابن إسحاق، وغيرهم، وخرجها من ذكر أسانيدها مع عزوها إلى مخرجيها الإمام السيوطي في تفسيره (الدر المنثور).
وفي هذه الروايات ولا شك الكثير من أكاذيب بني إسرائيل التي اختلقها أسلافهم، وتنوقلت عليهم، ورواه أخلافهم من مسلمتي أهل الكتاب الذين أسلموا، وأخذها عنهم بعض الصحابة والتابعين؛ تحسينًا للظن بهم، ورواها من غير تنبيه إلى ما جاء فيها من الكذب, وفي هذه الأخبار الإسرائيلية ما يحتمل الصدق والكذب، ولكن الأولى عدم الاشتغال به، وأن لا نفسر القرآن بها، وأن نقف عند ما قصه الله علينا من غير أن نفسد جمال القرآن وجلاله بمثل هذه الإسرائيليات.
وقد أكثر ابن جرير هنا من النقل عن ابن إسحاق، وفي بعضها روى عن ابن إسحاق عن من لا يُتَّهم عن وهب بن منبه، وفي بعضها بسنده عن وهب بن منبه بدون ذكر ابن إسحاق، وبذلك وقفنا على من كان المصدر الحقيقي لهذه المرويات، وأنه وهب بن منبه وأمثاله من مسلمة أهل الكتاب, وقد سود ابن جرير بضع صفحات من كتابه في النقل عن ابن إسحاق وعن وهب، ولا نحب أن ننقل كل ما ذكره بنصه، وإلا طال الكلام، فإن في ذلك تسويدًا للصفحات، ولكن سنذكر البعض ليكون القارئ وطالب العلم والباحث والذي يريد معرفة التفسير على حذر من مثل ذلك.