والحقيقة أن كل هذا من الإسرائيليات التي دُسَّت على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو شئت أن أقسم بين الركن والمقام أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما قال هذا لأقسمت، وابن لهيعة ضعيف في الحديث، وقد كشف لنا الإمام الحافظ ابن كثير عن حقيقة هذه الرواية في ت فسيره، وأنحى باللائمة على من رواها، فقال رحمه الله:
وقد أورد ابن جرير هـ اهنا والأموي في مغازيه، حديثًا أسنده وهو ضعيف، عن عقبة بن عامر، أن نفرًا من اليهود جاءوا يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذي القرنين فأخبرهم بما جاءوا له ابتداء، فكان فيما أخبرهم به: أنه كان شابا من الروم، وأنه بنى الإسكندرية، وأنه علا به ملك في السماء، وذهب به إلى السد، ورأى أقوامًا وجوههم مثل وجوه الكلاب، وفيه طول ونكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل، والعجب أن أبا زرعة الرازي، مع جلالة قدره، ساقه بتمامه في كتابه (دلائل النبوة)، وذلك غريب منه، وفيه من النكارة أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني وهو ابن فيليبس المقدوني، الذي تؤرخ به الروم، وكان وزيره أرسطا طاليس الفيلسوف المشهور، والله أعلم. هذا كلام العلامة ابن كثير.
وهنا نسأل من هو ذو القرنين؟
والذي نقطع به أنه ليس الإسكندر المقدوني؛ لأن ما ذكره المؤرخون في تاريخه لا يتفق وما حكاه القرآن الكريم عن ذي القرنين، والذي نقطع به أيضًا أنه كان رجلًا مؤمنًا صالحًا، ملكه شرق الأرض وغربها، وكان من أمره ما قصه الله - تعالى - في كتابه، وهذا ما ينبغي أن نؤمن به وأن نصدقه، أما معرفة هويته، وما اسمه؟ ومن أين؟ وفي أي زمان كان؟ فليس في القرآن ولا في السنة الصحيحة ما