الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! وهكذا تنتهي علامات الساعة الكبرى التي ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة بن أسيد الغفاري الذي كنا معه طيلة اللقاءات الأربعة الماضية.
وهناك علامة أخرى عجيبة غريبة، إذا وقعت كادت أن تخلع القلوب، وهي لم ترد في حديث حذيفة، ألا وهي هدم الكعبة! بيت الله الذي تهوي إليه الأفئدة، وتحن إليه القلوب، الذي قال في حقه علام الغيوب: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة:125] (مثابة للناس)، أي: لا يملون منه، كلما نظروا إليه وانصرفوا عنه تجدد الشوق إليه والحنين لزيارته ورؤيته، هذا البيت المشرف العظيم من علامات الساعة الكبرى أن يهدم حجراً حجراً! إن عيسى بن مريم -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- ينزل إلى الأرض فيقتل الدجال عليه من الله ما يستحقه، ويدعو الله أن يهلك يأجوج ومأجوج، فيستجيب الله دعاءه، ويهلك يأجوج ومأجوج، وينزل مطراً فتصبح الأرض كالزُلقة أو كالزَلقة أو كالزُلفة، أي: كالمرآة في صفائها ونقائها، ثم تخرج البركة من الأرض، وتنزل الرحمات، ويعيش الناس في أمن وسلام طيلة وجود نبي الله عيسى، ويذهب نبي الله عيسى ليحج بيت الله الحرام.
إذاً: يبقى الحج حتى في عهد نبي الله عيسى، فإذا قدر الله على عيسى الموت {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27].
فإنه يموت في المدينة المنورة، ويصلي عليه المسلمون من أمة محمد، ويدفنونه مع الحبيب المصطفى في الحجرة المباركة.
بعد ذلك تقع العلامات التي ذكرت الآن، ولا يبقى إلا شرار الخلق، تمحى آيات المصحف، ولا يقول أحد في الأرض: لا إله إلا الله، ولا يحجون البيت، بل ولا يعرفون عن البيت شيئاً، ومن بين هؤلاء الأشرار رجل من الحبشة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد وصف شكله وكأنه ينظر إليه وهو يهدم الكعبة {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:1 - 5].
يقول المصطفى: (لا تقوم الساعة حتى يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة).
رجل يقال له ذو السويقتين من الحبشة، وفي رواية البخاري من حديث ابن عباس قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كأني أنظر إليه: أسود أفحج- أي: متسع ما بين ساقيه- ينقض الكعبة حجراً حجراً) وبهذا تنتهى الحياة الدنيا بحلوها ومرها، بحلالها وحرامها، بخيرها وشرها، ولا يبقى إلا الكفرة من شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة، فيأمر الله جل وعلا إسرافيل عليه السلام أن ينفخ النفخة الأولى، ألا وهي: نفخة الفزع، مصداقاً لقوله جل وعلا: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل:87]، ينفخ إسرافيل في الصور نفخة الفزع فتتزلزل الأرض، وتنفصل عرى هذا الكون، وتدك الجبال بالأرض دكاً دكاً، وتنسف الجبال نسفاً نسفاً، وتثور البحار والأنهار، وتتحول إلى برك ضخمة من النار، قال الله جل وعلا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه:105 - 108].
والله أسأل أن يسترنا في الدنيا والآخرة.
اللهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين، ولا مفرطين ولا مضيعين، ولا مغيرين ولا مبدلين.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها -يا مولانا- أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا.
اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً بيننا إلا هديته، ولا طائعاً معنا إلا زدته وثبته، ولا حاجة هي لك رضي ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين! اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض.
اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض واسترنا يوم العرض، اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين.
اللهم احمل المسلمين الحفاة، واكس المسلمين العراة، وأطعم المسلمين الجياع، اللهم وحد صفوف المسلمين، وألف بين قلوبهم وأرواحهم يا أرحم الراحمين! واجعل الدائرة على كل من ناصبهم العداء يا رب العالمين! هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون به إلى الجنة ويلقى به في جهنم، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.