أختم الحديث عن فتنة الدجال بحديث عجيب غريب رواه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم، من حديث فاطمة بنت قيس عن تميم الداري.
وهذا الحديث عندما وقفت عليه كاد عقلي أن يطيش، مع أنني قرأت الحديث قبل ذلك، لكن لما تدبرت المعاني كاد -والله- عقلي أن يطيش.
الحديث -كما قلت- رواه مسلم وأبو داود والترمذي من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وفيه أن فاطمة رضي الله عنها قالت: سمعت منادي رسول الله يقول: (إن الصلاة جامعة، إن الصلاة جامعة، تقول: فخرجت إلى المسجد، وصليت خلف رسول الله، وكنت في النساء اللاتي تلي ظهور الرجال -أي: كانت في الصف الأول في النساء الذي يقف مباشرة خلف آخر صف للرجال- فلما قضى رسول الله صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك -بأبي هو وأمي- ثم قال: أيها الناس! ليلزم كل إنسان منكم مصلاه) أي: ليجلس كل واحد منكم مكانه، فجلس الصحابة.
ثم قال: (هل تعلمون لِمَ جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
فقال رسول الله: أما إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، وإنما جمعتكم اليوم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً، فجاءني اليوم فبايعني وأسلم لله، وحدثني حديثاً أحببت أن أحدثكم به)، وهذه من أعظم مناقب تميم الداري.
وقال النووي أيضاً: وفيه جواز حديث الفاضل عن المفضول، أي: يجوز أن ينقل الفاضل حديثاً عن رجل يقل عنه في الفضل والكرامة، فلقد نقل المصطفى -وهو من هو- حديثاً عن تميم الداري.
قال النووي: وفيه كذلك جواز قبول خبر الآحاد الذي أنكره بعض الطوائف، فلقد قبل النبي خبر تميم الداري وهو واحد فرد.
فماذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ وتدبر معي جيداً قال: (حدثني تميم أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام -ولخم وجذام قبيلتان عربيتان مشهورتان- فلعب بنا الموج في البحر شهراً كاملاً، ثم أرفأنا إلى جزيرة وسط البحر- يعني: ألجأهم الموج إلى جزيرة وسط البحر- فدخلوها، فإذا هم أمام دابة أَهْلَبَ كثير الشعر، فقالوا لها: ويلك من أنت؟ فقالت: أنا الجساسة.
قالوا: وما الجساسة؟ قالت: انطلقوا إلى هذا الرجل في هذا الدَّيْرِ؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق، يقول: ففزعنا منها لما سمت لنا رجلاً وظننا أنها شيطانة، فتركناها وأسرعنا إلى الدَّير، فرأينا رجلاً عظيم الخلق مقيداً بالحديد، فقلنا: ويلك! من أنت؟ فقال لهم: قد قدرتم على خبري، فأخبروني أنتم: من أنتم؟ فقالوا: نحن قوم من العرب ركبنا السفينة فلعب بنا الموج شهراً، فأرفأنا إلى جزيرتك، فلقيتنا هذه الدابة، وقالت لنا: انطلقوا إلى هذا الرجل في هذا الدير؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأتينا إليك وقد خشينا أن تكون شيطانة.
فقال لهم: أخبروني عن نخل بَيْسَانَ؟ فقالوا: وعن أيّ شأنها تستخبر؟ فقال هذا الرجل المقيد بالحديد: هل يثمر نخلها؟ فقالوا: نعم، نخلها يثمر، فقال: يوشك أن لا يثمر.
ثم قال لهم هذا الرجل المقيد بالحديد: أخبروني عن بحيرة طبرية؟ قالوا: عن أيّ شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: ماؤها كثير، فقال الرجل المقيد بالحديد: يوشك أن يجف ماؤها.
ثم قال: أخبروني عن نبي الأميين هل خرج؟ قالوا: نعم، خرج، بل وهاجر الآن من مكة إلى يثرب، فسألهم: ماذا صنع مع العرب؟ فقالوا: أظهره الله عليهم، فقال لهم: أوقد كان ذلك، قالوا: نعم، فقال هذا الرجل: خير لهم أن يطيعوه، خير لهم أن يطيعوه -أي: أن يطيعوا هذا النبي صلى الله عليه وسلم- ثم قال لهم: أما أنا فأخبركم؛ أنا المسيح الدجال، وإني أوشك أن يؤذن لي فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها، إلا مكة والمدينة فإنهما محرمتان عليّ، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما وجدت ملكاً على بابها بالسيف، فإنه على كل نقب من أبواب مكة والمدينة ملائكة يحرسونها بأمر الله جل وعلا).