الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداًَ عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الأحبة الكرام! بعد ذلك يبدأ الحساب، وسنقف مع الحساب وقفات، فالحساب يبدأ بالعرض على الله جل جلاله، بعد الوقوف بين يدي الحق الملك العدل سبحانه، فأنت في أرض المحشر ستسمع نداء الملائكة: أين فلان بن فلان، والملائكة لا تخطئ أحداً من الخلق منذ أن خلق الله آدم، أين فلان بن فلان؟ ماذا تريدون يا ملائكة الله؟! أقبل للعرض على الله جل جلاله، وقد وكلت الملائكة بأخذك وسوقك في أرض المحشر على رءوس الأشهاد، والخلائق كلها تنظر إليك، فيقرع النداء قلبك، ويصفر وجهك، وترتعد فرائصك، وتضطرب جوارحك، وترى نفسك بين يدي الحق جل جلاله ليكلمك، ليس بينك وبينه ترجمان، كما في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه يوم القيامة، ليس بينه وبينه تُرجمان، فينظر العبد أيمن منه -أي: عن يمينه- فلا يرى إلا ما قدم -أي: في هذه الحياة الدنيا- وينظر العبد أشأم منه -أي: عن شماله- فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة) أي: ولو بنصف تمرة تتصدقون بها لوجه الله جل وعلا.
يقرع النداء القلب، ويأمر الله تبارك وتعالى بالصحف وبالكتب فيأخذ كل إنسان صحيفته.
تلك الصحيفة التي لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها، فكم من معصية قد كنت نسيتها ذكرك الله إياها، وكم من مصيبة قد كنت أخفيتها أظهرها الله لك وأبداها، فيا حسرة القلب وقتها على ما فرطنا في دنيانا من طاعة مولانا! اسمع لربك جل وعلا، وهو يقول: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:47 - 49].
أيها المسلم! تذكر وقوفك يوم العرض عرياناً مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا والنار تلهب من غيظ ومن حنق ورب العرش غضبانا اقرأ كتابك يا عبد على مهل فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا فلما قرأت ولم تنكر قراءته إقرار من عرف الأشياء عرفانا نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا المشركون غداً في النار يلتهبوا والمؤمنون بدار الخلد سكاناً أكتفي بهذا القدر وأقف عند العرض على الله جل وعلا، ونواصل في اللقاء المقبل -إن قدر الله لنا البقاء واللقاء- ونتحدث عن كيفية العرض وكيفية الحساب.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يستر عليَّ وعليكم في الدنيا والآخرة، وأن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال.
وأسأل الله أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.
اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وكن لنا ولا تكن علينا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا.
اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً بيننا إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً لنا إلا رحمته، ولا عاصياً معنا إلا هديته، ولا طائعاً بيننا إلا زده وثبته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين! اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً.
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم مكن لدينك يا أرحم الراحمين! اللهم مكن لدينك يا رب العالمين! اللهم مكن لدينك يا رب العالمين! اللهم طهر الأقصى من دنس اليهود المجرمين! اللهم عليك باليهود وأتباع اليهود وعملاء اليهود، اللهم حرق قلوب اليهود قبل أن يحرقوا الأقصى، اللهم دمر بيوتهم قبل أن يدمروا الأقصى، اللهم إنا نشهدك على ضعفنا وعجزنا وفقرنا، فاللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، واستر عيبنا، وفرج كربنا، واكشف همنا، وآمن روعاتنا، وفك أسرنا، وتول خلاصنا، واختم بالصالحات أعمالنا.
اللهم إنا نشكو إليك خيانة الخائنين، اللهم إنا نشكو إليك خيانة الخائنين، اللهم إنا نشكو إليك خيانة الخائنين، اللهم إنا نشكو إليك ضعف الموحدين، اللهم إنا نشكو إليك ضعف الموحدين، اللهم إنا نشكو إليك ضعف الموحدين اللهم إنا نشكو إليك ضعف الموحدين، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا يا أرحم الراحمين! اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا يا أرحم الراحمين! اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وكن لنا ولا تكن علينا، اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا وكن لنا ولا تكن علينا، اللهم اجعل مصر واحة للأمن والأمان وجميع بلاد الإسلام، اللهم ارفع عن مصر الغلاء والوباء والبلاء وجميع بلاد المسلمين، اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين! هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به في جنهم، ثم أعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.