إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحيَّاكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء! وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً.
وأسأل الله الكريم الحليم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الكريم على طاعته أن يجمعنا في الآخرة، مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! موضوعنا اليوم مع حضراتكم بإذن الله جل وعلا، بعنوان: (في ساحة الحساب)، وسوف ينتظم حديثنا مع هذا المشهد الرهيب المهيب في العناصر التالية: أولاً: لا ظلم اليوم.
ثانياً: العرض على الله وأخذ الكتب.
ثالثاً: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
فأعيروني القلوب والأسماع.
والله أسال أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض، ويوم العرض، إنه حليم كريم رحيم.
أولاً: لا ظلم اليوم.
أيها الأحباب الكرام! والله لو عذب الله أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، فهم عبيده وفي ملكه، والمالك يتصرف في ملكه كيف يشاء، ولكنه جل وتعالى قد حرم الظلم على نفسه، وجعله بين العباد محرماً: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40].
وقال جل وعلا: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46].
وقال جل وعلا: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر:31].
وقال في الحديث القدسي الذي رواه مسلم من حديث أبي ذر، عن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة أنه قال: (يا عبادي! إني حَرَّمْتُ الظلمَ على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).
فالله جل وعلا عدل لطيف، حليم كريم، لا يظلم أحداً من خلقه، ولا يظلم أحداً من عباده، ولذا فإن الله جل وعلا يحاسب العباد يوم القيامة وفق القواعد التالية: