الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين؛ فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته.
وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء! وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الكريم المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! في رحاب الدار الآخرة: سلسلة علمية كريمة تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي، الهدف منها: تجديد الإيمان بالله جل وعلا واليوم الآخر، وتذكير الناس بالآخرة في عصر طغت فيه الماديات والشهوات، وانحرف كثير من الناس عن منهج رب الأرض والسماوات؛ ليتوبوا إلى الله جل وعلا ويتداركوا ما قد فات، قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصمون، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.
ونحن اليوم -بتوفيق الله وحوله وطوله ومدده- مع اللقاء المتمم للعشرين من لقاءات هذه السلسلة الكريمة، وكنا قد أنهينا الحديث في اللقاء الماضي عن الصراط وصفته، وأحوال الناس في المرور عليه، كما بين لنا ذلك الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم يضرب الجسر -أي: الصراط- قيل: وما الجسر يا رسول الله! قال دحض مزلة) أي: موطن تزل فيه الأقدام ولا تثبت، اللهم ثبت أقدامنا على الصراط.
(قيل: ما الجسر يا رسول الله؟! قال: دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك) والحسك: نوع من أنواع الشوك ينبت في جزيرة العرب، والخطاف والكلوب معروفان: وهو حديدة معكوفة يخطف بها الإنسان ما يريد.
قال: (فيه خطاطيف وكلاليب وحسك، فيمر المؤمنون على الصراط كطرف العين، وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم).
وحديثنا اليوم بإذن الله تعالى عن نار جهنم أعاذنا الله وإياكم من حرها، انطلاقاً من منهج القرآن في الترهيب بعد الترغيب كما في قول ربنا جل وعلا: {حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:1 - 3]، وكما في قول الله جل وعلا: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر:49 - 50].
فانطلاقاً من منهج القرآن الكريم في الترهيب بعد الترغيب، وانطلاقاً من معتقد أهل السنة والجماعة في أن الجنة والنار مخلوقتان لا تبيدان ولا تفنيان أبداً، وأن الله قد خلق الجنة والنار قبل أن يخلق الخلق، فالجنة رحمة الله يرحم بها من يشاء من عباده، والنار عذاب الله يعذب بها من يشاء من عباده، ولقد خلق الله لكل منهما أهلاً، فمن دخل الحنة فبفضله وبرحمته، ومن دخل النار فبعدله وحكمته: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46].
وسوف أجعل الحديث في هذا الموضوع الخطير حول العناصر التالية: أولاً: صفة النار.
ثانياً: شدة عذاب أهل النار.
ثالثاً: أهل الخلود وأهل الخروج.
رابعاً: كيف النجاة من النار؟ فأعيروني القلوب والأسماع، فإن هذا الموضوع من الأهمية بمكان، والله أسأل أن يحرمنا وإياكم على النيران، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الجنان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.