أيها الأحبة! تعالوا بنا على جناح السرعة لنسأل الصادق المصدوق المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الأخيار الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، والجواب مباشرة كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي والبيهقي وغيرهم من أصحاب المسانيد والسنن من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عرضت علي الأمم) وفي رواية صحيحة في سنن الترمذي أن هذا العرض كان ليلة الإسراء: (عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط -وفي رواية: ومعه الرهيط.
أي: العدد القليل الذي يقل عن العشرة- ورأيت النبي ومعه الرجل والرجلان، ورأيت النبي وليس معه أحد) أي: لم يؤمن بهذا النبي أحد من قومه، إذ إن كل نبي يأتي يوم القيامة أمام قومه وأمام أمته، فيبعث الله نبياً لأمة لا يؤمن بهذا النبي من هذه الأمة أحد.
(رأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم)، أي: رأيت سواداً عظيماً من الناس، (فظننت أنهم أمتي) يقول المصطفى: فظننت أن هذا السواد العظيم وأن هذا العدد الضخم هو الأمة المحمدية.
قال: (فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، يقول: فنظرت فإذا سواد عظيم، ثم قيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب) ثم نهض النبي صلى الله عليه وسلم فدخل منزله، فخاض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هؤلاء الأخيار الأطهار الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: لعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: لعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئاً، وذكروا أشياء، فخرج عليهم المصطفى عليه الصلاة والسلام، فقال: ما الذي تخوضون فيه؟ أي: في أي شيء تتكلمون وتتباحثون وتتناقشون؟ فقالوا: نتناقش في هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، من هم يا رسول الله؟ فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)، فقام صحابي جليل يقال له: عكاشة بن محصن، بتشديد الكاف أو عكاشة بتخفيف الكاف واللغتان صحيحتان، ولكن التشديد للكاف أفصح، (فقام عكاشة بن محصن، فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، فقال المصطفى: أنت منهم).
يا لها من كرامة! قال: (أنت منهم)، عكاشة صحابي جليل من السابقين المهاجرين، ممن شهد بدراً، والنبي قال في حق من شهد بدراً: (لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).
استشهد عكاشة بن محصن رضي الله عنه في معركة اليمامة مع خالد بن الوليد وهو يقاتل أهل الردة.
(فقام رجل آخر، وقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: سبقك بها عكاشة).
وفي رواية الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وصف هؤلاء وصفاً دقيقاً جميلاً فقال عليه الصلاة والسلام: (يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفاً تضيء وجوههم على إضاءة القمر ليلة البدر).