وفي سورة الحاقة آيات تتحدث عن الجنة، وهي قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]، أي: يوم القيامة لن يختفي شيء، فلو أن أحدنا اقترف ذنباً وربنا ستره وهو لم يتكلم عن هذا الذنب فإن الله أكرم من أن يفضحه على رءوس الأشهاد يوم القيامة، فإنه لو سترك في الدنيا فهذا دليل ستر الآخرة.
لكن يوجد نوع آخر: كأن تعمل معاصي وأنت تعجب بستر الله عليك فهذا اسمه استدراج، فيتركك مرة ومرتين وعشراً وعشرين، فإما أنك تستهزئ بمقام الله عز وجل والعياذ بالله، وإما أنك لست موقناً أن عذاب ربك لشديد، ففي هذه الحالة تفضح على رءوس الأشهاد يوم القيامة.
وقوله: {لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]، كقوله تعالى: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49]، مكتوبة سواء كانت كبيرة أو صغيرة.
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19]، وقد ضربنا المثل بأن هذا مثل الولد الذي أخذ الشهادة وفيها الدرجات النهائية فكلما يقابل أحداً يخبره بالنتيجة الرائعة.
{إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:20]، أي: أني أيقنت وليس ظن شك وريبة.
{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة:21]، فالعيشة نفسها راضية فكيف بصاحبها؟! {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:22 - 23]، يعني على سبيل المثال: أنك نمت على سريرك في الجنة، والتفاحة بعيدة عنك فتقول: أنا أريد التفاحة تلك، فيميل الغصن إلى فمك، لكي لا تتعب وتمد يدك.
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24]، أي: من صيام رمضان؟ وصيام كل إثنين وخميس؟ وقيام الليل، أي فقد تعبتم وتعذبتم والناس لا يشعرون بشيء مما تتعبون فيه بل وقد يسخرون منكم، ولكنكم اليوم في الراحة الأبدية، يا أهل الجنة! خلود بلا موت، يا أهل النار! خلود بلا موت.