قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63].
قلنا: إن العظمة لله سبحانه وتعالى، ثم العزة لله ولرسوله وللمؤمنين من بعد ذلك بطاعة الله، كيف؟ إن قضية التقوى والإيمان ليست أن أصلك وتصلني، فهناك أمر أكبر من هذا: أن تقطعني فأصلك، وأن تحرمني فأعطيك، وأن تغضبني فأرضيك، وأن تجازيني فأحبك، فقد قيل للحسن البصري: يا بصري! لو قلت لي كلمة لقلت لك عشراً، والبصري نظر إليه هكذا، فقال: وأنت لو قلت لي مائة كلمة ما قلت لك كلمة! فهذه الكلمة كانت مصنوعة من لا إله إلا الله، ومن إيمان وتقوى، وسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم ربى الصحابة على الرمل والحصير فخرجوا رجالاً، الواحد منهم يزن أمة بأسرها، ولذلك قال أهل العلم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما علم الصحابة المصحف، فإنما كتبه بمداد من نور على صحائف قلوبهم البيضاء، فكانوا جميعاً كأستاذهم قرآناً يمشي على الأرض، وكانوا كلهم عبارة عن: قال الله قال الرسول وكان عندهم حب عجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ينظر سيدنا الحبيب إلى واحد من الصحابة حديث عهد بالإسلام في يده خاتم ذهب، قال: أيعمد أحدكم إلى جمرة من نار يسور بها إصبعه؟! فأخذ هذا الصحابي الخاتم ورماه في الأرض، قال له الصحابة: خذه وانتفع به، قال: والله لا آخذ شيئاً ألقيته أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه هي الطاعة الصحيحة، قال الله: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285].
وهذا ليس كلاماً يقال فقط، وإنما سمعنا كلاماً، وأطعنا عملاً، الولد كلما تقول له: يا ولد! ذاكر، يقول لك: حاضر، يا ولد! ذاكر، يقول: حاضر، وأخيراً تغضب فتضربه لأنه لم يترجم (حاضر) إلى واقع عملي، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.