من أسماء الجنة دار السلام

كذلك تسمى بدار السلام، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ} [يونس:25] وذلك لقوله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة:25 - 26] وللمؤمن في الجنة أربعة أبواب: باب يدخل عليه زوجاته من الحور العين، وباب يدخل عليه منه الغلمان والخدم، قال تعالى: {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا} [الإنسان:19]، وباب تدخل عليه منه الملائكة، وباب يدخل هو منه على الله عز وجل، فالملائكة تنادي، كما قال تعالى: {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:23 - 24]، والغلمان يسلمون، والحور العين يسلمن، وأصحابه الذين كانوا في الدنيا يدخلون معه ويسلمون، ثم ينادي منادٍ من قبل العلي الأعلى: والآن يسلم عليكم ربكم {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:58] فهذا السلام من الله عز وجل لعباده، إذ يقول الله لهم: سلام عليكم يا عبادي! إني أحللتكم دار المقامة من فضلي، وإني قد رضيت عنكم فهل رضيتم عني؟ فيقولون: يا رب! وكيف لا نرضى وقد أحللتنا دار المقامة من فضلك لا يمسنا فيها نصب ولا لغوب؟! فيقول: يا عبادي! ولدي المزيد.

فيقولون: يا مولانا! وهل هناك مزيد أكثر من هذا؟ فيقول: سوف أبيح لكم وجهي فتنظرون إليه بكرة وعشياً.

قال سبحانه: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة:25 - 26].

وقال سبحانه: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:10].

المؤمن في الجنة يكون جالساً على أريكة: {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن:54] أي: حشوها حرير، والبطانة غير الظهارة، هذا هو شكلها من الداخل، فكيف يكون شكل خارجها؟ إن الذي يدخل الجنة له فيها ما يشاء، فلو رأى مثلاً كبشاً أقرن في الجنة فقال: لو أن هذا الكبش ينزل فآكله مشوياً فهناك كلمة لو قالها لوجد الكبش مشوياً على طبق، هذه الكلمة هي: (سبحانك اللهم) وليس هذا فقط، بل إن أنهار الجنة ليس لها حواف ولا شاطئ.

وإن أي ملك من ملوك الجنة يقال له: السلام عليك أيها الملك! طوبى لك منزل الملوك عند ملك الملوك سبحانه، فأنت أيها المسلم! إذا اجتنبت ما حرم الله عليك في الدنيا، فاجتنبت الأكل في أواني الفضة والذهب، فسيعوضك الله خيراً منها في الجنة، قال تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:25]، ففي الجنة أنهار من خمر لا غول فيها ولا تأثيم، لا تغتال العقول ولا تجعلك تنام، وأنهار من عسل مصفى، فعسل الدنيا مختلط بشمع النحل، أما عسل الآخرة فهو مصفى، لأن الله لم يأت به من النحل، وإنما أتى به من عنده هو.

وفي الجنة كذلك أنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من ماء غير آسن فهي مياه جارية من أنهار متفجرة وعيون متفجرة، فإن أردت مثلاً عصير الرمان، وتقول: أنا أريد عين رمان، فما عليك إلا أن تقول: سبحانك اللهم وتضع يدك على أرض الجنة فيفجر الله لك عين رمان، قال تعالى: {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان:6] لماذا؟

صلى الله عليه وسلم { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان:7 - 9].

فإن أردت عصير تفاح وجدته، وإن أردت لبن عصفور وجدته، يقول الله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الزمر:34].

ومعنى كلمة سلام: هو سكون النفس والطمأنينة، والذي لا يجد سلاماً نفسياً لا يستطيع أن يعيش مع الناس في سلام، والسلام يأتي من السكينة، ولذلك قال الله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21] فإذا كنت تعيش في سلام وامرأتك تعيش في سلام؛ فالبيت كله سيعيش في سلام، وإن كان جيراني يعيشون في سلام، فإن كل الحي يعيش في سلام، إذاً: كل أهل المدينة يعيشون في سلام وكل العالم الإسلامي يعيش في سلام.

فإن كان بيتي لا يعيش في سلام ولا جاري ولا جار جاري، فإن المدينة كلها لا تعيش في سلام، فتجد الأخ يؤذي أخاه ويفتري عليه؛ لأنهم لا يعيشون في سلام؛ ومن ليس عنده سلام نفسي لا يستطيع أن يعيش؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه؛ ولذلك فإن الجماعات التي تعيش في صراعات نفسية تفتقد السلام النفسي.

يحكى أن واحداً من كبار التابعين ذهب يزور أخاً له، فلما جاء إلى بيته قال: أين فلان؟ فقيل له: في بستانه، فاتجه إلى البستان فرأى أخاه تحت شجرة عنب، فرحب به وأعطاه عنقوداً مغسولاً وجعله في طبق، فأكل الضيف الأولى قبل أن تستوي فلم يمتنع من أكله حياءً، واستمر على ذلك ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع كان صاحب العنب قد سمع درساً يقول: إذا كنت صائماً صيام تطوع وزارك أخوك المسلم وجعلت له أكلاً فكل معه؛ لكي تدخل عليه السرور، فإدخال السرور على المسلم فرض وصومك سنة، والفرض مقدم على السنة.

فأراد صاحب العنب أن يطبق الدرس فأكل أول واحدة من قطف العنب ولم يستطع تحملها، فقال لضيفه: وأنت تأكل من هذا منذ أن جئتني؟ قال: نعم، قال: لماذا لم تخبرني؟ قال: خفت أن يدخل في نفسك شيء، وتظن أنك قد آذيتني وما آذيتني؛ لأني قد صبرت على ما ابتليت به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015