عندما ينصحك أخوك المسلم في الله ويقول لك: يا فلان! اتق الله، يا فلان! اعمل كذا، يا فلان اعمل كذا، فلا تغضب، ورحم الله امرأ أهدى إلينا عيوبنا، وأخذ الحسن البصري في يوم من الأيام متاعه على جنبه ومشى فقالوا له: ما هذا؟ قال: أجلس مع أناس يعرفونني عيوبي!! فالمؤمن مرآة أخيه، يعني: يرى فيه عيوب نفسه، والنصيحة على الملأ فضيحة فانصح أخاك المسلم بالرفق، ونفرض جدلاً أن واحداً أصغر منك سناً يقول لك: يا ابني! فيقول: ما هذا الكلام الذي تقوله؟! أنا متعلم قبل أن تلدك أمك، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة:206].
كذلك سيدنا عيسى عليه السلام وهو يمشي مع أحد الحواريين وكان يسمى عابد بني إسرائيل، مر عابد بني إسرائيل على فاجر بني إسرائيل فقال: يا روح الله! اسلك طريقاً غير هذا، أتطمع في إيمانه يا روح الله؟! ويشبه ذلك قول الناس في مكة، إذ كانوا يقولون: لو أسلم حمار الخطاب لأسلم عمر؛ وهذا من اليأس الذي وصلوا إليه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين: عمرو بن هشام أو عمر بن الخطاب) فكان الصحابة يقولون: لو أسلم حمار الخطاب لأسلم عمر! فالمسلم لا ييأس أبداً، فاحذر أن تيأس من هداية زوجتك أو ابنك أو ابنتك، ولتحذر المرأة أن تيأس من هداية أختها أو أخيها أو ابنها أو زوجها! فما زال الأمل موجوداً.
قال عيسى: ما دامت فينا الروح فلن نيأس من هدايته بإذن الله.
ورب عبد أخذه شيء من الكبر، فقال عابد بني إسرائيل: يا روح الله! لو هدى الله هذا ودخل الجنة لرفضت أن أدخلها، فقال الله: يا عيسى! أحبطت عمل هذا وتبت على هذا، فجاء الفاجر ليقبل يد عيسى ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
فاحذر أن تتألى على الله، فإذا كان أخوك قد ظلمك فلا تقل: هذا لن يدخل الجنة! هل أنت رضوان حتى قرأت الأسماء؟ بل إن رضوان إلى هذا الوقت لم يقرأ الأسماء، فلا يجوز لك أن توزع وتقول: إن هذا من أهل الجنة وهذا من أهل النار حتى ولو كان كافراً، لكن لا بأس بالتعميم: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89] ألا لعنة الله على الفسقة، ألا لعنة الله على الفجرة، تعمم ولا تخصص أحداً باللعنة إلا من لعنه الله ورسوله، ورغم ذلك لا تجعل في ذهنك أنك وصلت وغيرك لم يصل، ولا تقل: إنني ملتحٍ فسأدخل الجنة وحالق اللحية في الهلاك؛ لأنك بهذا تتألى على الله.
ويحكى أن توأماً في بني إسرائيل أحدهما ظل يعبد الله سبعين سنة، والآخر ظل يعصي الله سبعين سنة، فقال الفاجر في نفسه: سبعين سنة وأنا أعصي الله؟! سأذهب إلى أخي العابد لأقعد معه وأطلب منه أن يسامحني ويدعو لي، وأدخل لأعبد الله معه في صومعته فيما بقي من عمري، لكن الشيطان لم يدعه، بل لم يزل به حتى قال له: اذهب وهزئ أخاك، فذهب ورأى أخاه ساجداً فوضع رجله بحذائه على رقبته، فقال العابد: ارفع رجلك والله لن يغفر الله لك، فقال الله: من هذا المتألي عليّ؟ يا ملائكتي! قبلت هذا وأحبطت عمل هذا، فمات الفاجر على الإيمان، ومات العابد على الكفر؛ نسأل الله حسن الخاتمة.
فسوء الخاتمة وحسنها بيد الله، لكن يجب عليك أن تُحسن عملك؛ لأن الطاعات ستجتمع على قلبك فتكون نهايتك سعيدة إن شاء الله، والمعاصي قد تغلب على الإنسان.
وإياك أن تنظر إلى أخيك المسلم بنظرة كبر أو حقد أو حسد، ولا تنظر له نظرة علوية أبداً، ومن نظر إلى أخيه نظرة رحبة نظر الله إليه، ومن نظر الله إليه فلن يعذبه يوم القيامة.
ومن ضمن العبادات النظر إلى الكعبة والنظر في المصحف وفي السماء والنظر في وجه العالم الصالح، والنظر إلى وجه الوالدين، كأن تقعد وتنظر إلى والدتك بحنان وحب وتقول: بارك الله فيكِ يا أمي! فإنَّ أبا هريرة كان قبل أن يخرج يقول: السلام عليكِ يا أُم أبي هريرة! جزاكِ الله عني خيراً كما ربيتني صغيراً، وتقول له: وعليك السلام يا بني! وجزاك عني خيراً كما بررتني كبيراً، فالود موجود بين الأم والابن، ودعاء الأم على ابنها مقبول.
نسأل الله أن يرقق قلوب الأبناء والبنات على آبائهم وأمهاتهم.
وراقب الله في خطواتك، فقد ثبت في الكتاب أن الأرجل ستشهد يوم القيامة وتقول: أنا ذهبت وأتيت؛ لأنك بالقدمين تسعى إلى كل خير، كذلك راقب الله في الخطرات واجعل هواك تبعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.