الحسن البصري رضي الله عنه كان يقتات هو وأهله بعيش وملح، وامرأته لم تكن صاخبة ساخطة إنما كانت طيبة لأن علاقته بالله صحيحة فصحح الله له علاقته بزوجته.
لذلك قال ربنا: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء:90] لماذا؟ قال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]، اللهم احشرنا في زمرتهم يا رب العالمين! إذاً: هناك عباد من عباد الله موصولون بالله عز وجل، زاهدون في الدنيا متقشفون فيها، أكلهم فيها العيش والملح، لا يكثرون من تناول المباحات التي تسبب التخمة، فيحتاج الإنسان بعد ذلك إلى التقشف أو الريجيم لتنقيص الوزن كما تصنعه بعض النساء اللاتي يطلبن رشاقة الجسم، فيخربن بيوت أزواجهن بهذا الريجيم.
وهناك ريجيم إلهي وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه) فقال: لقيمات، وليس أكلات، أو وجبات، ولقيمات مفردها لقيمة: تصغير لقمة.
(فإن لم يكن) يعني: أنه أكول، (فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) فيقوم من الأكل ولا تزال عنده رغبة فيه، فإن من أكل كثيراً نام كثيراً، وذكر الله قليلاً، وندم يوم القيامة طويلاً.
ومن أكل قليلاً نام قليلاً، وذكر الله كثيراً، وفرح طويلاً.
فمن أكل قليلاً خفت معدته فنام قليلاً، ومن أكل كثيراً ثقلت معدته فنام كثيراً، فالأفضل للمسلم أن يرفع يده عن الطعام ونفسه تشتهيه؛ ولذلك فإن سيدنا أبا بكر وسيدنا عمر لم يجدا طعاماً في بيتيهما ذات يوم، فذهب أبو بكر إلى عمر بن الخطاب حبيبه وأخيه، وبينما هو ذاهب في الطريق إلى عمر وجد عمر قادماً إليه يبحث عن طعام عنده، فذهبا معاً إلى سيدنا الحبيب الذي راودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيما شمم لو قال لأحد: كن ذهباً بإذن الله لكان، فدقا على باب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فأذن لهما، فاستحيا كل منهما أن يفاتح الرسول بما يريد، وهذا تأدب مع مقام النبوة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أتدري يا أبا بكر ويا عمر منذ كم يوم لم يدخل جوف نبيكم طعام؟ وفي غزوة الخندق كان النبي صلى الله عليه وسلم يربط حجراً على بطنه من شدة الجوع؛ لأنه كان يضرب بالفأس مع الصحابة، فلم يقعد وهم يعملون.
وكان يمر الشهر والشهران، والهلال والهلالان ولا يوقد في بيت رسول الله قدر وما كان يعيشهم إلا الأسودان: التمر والماء، أو البلح والماء.
وسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يظل في المسجد إلى أن تطلع الشمس، ثم يصلي ركعتي الضحى ثم يرجع إلى بيته فيقول لنسائه: أعندكم طعام؟ فيقلن له: لا والله يا رسول الله! فيقول: (اللهم إني صائم).
ولذلك أجاز أبو حنيفة أن ينوي المسلم الصيام في النفل من بعد شروق الشمس، فإذا وجدت نفسك مستعداً للصيام وأنت في وسط النهار قبل الزوال ولم تطعم شيئاً فقل إني صائم.
فهذه مسألة.
فإذا كنت صائماً صوم تطوع وأتى لك زائر فجأة وسيتغدى عندك، فمن حكم الفقه والإسلام أن تأكل مع الضيف، لتدخل السرور على قلب أخيك المسلم، وإدخالك السرور على قلب أخيك المسلم أحب عند الله من الصيام؛ لأن الصيام سنة، وإدخال السرور على المسلمين فرض.
فحين تنكد على امرأتك، أو على أولادك فهذا ظلم، أو أن امرأتك تنكد عليك فإن هذا ظلم، وقد دخلت امرأة النار في هرة عذبتها، وكم من امرأة تبيت باكية من زوجها، وأخت تبيت باكية من أخيها، وابنة تبيت باكية من أمها وأبيها، وأب وأم يبيتان باكيين من ظلم وعقوق الأبناء والبنات، وزوج يبيت باكياً من ظلم أبنائه وزوجته، سبحان الله! (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة).
وكان الحسن البصري يأكل العيش والملح فقيل له، فقال: نأكل هذا حتى يتجهز لنا الشواء في الجنة يوم القيامة، فـ الحسن البصري معتبر بالدنيا، وقد حصل لتلاميذه ذعر عندما رأوه يأكل العيش والملح فقالوا: هؤلاء الأئمة يعيشون هكذا.
وسأله رجل وقال: عندنا رجل يأكل في اليوم أكلة واحدة، فقال: هذا طعام الصديقين المتقين.
وسأله آخر وقال له: وعندنا من يأكل في اليوم أكلتين؟ فقال: هذا طعام المؤمنين.
وقال الثالث: وعندنا من يأكل في اليوم ثلاث أكلات، قال: مر أهله ليبنوا له معلفاً ليعلفوه فيه.
كيف لو قال له: ست أكلات، وبين كل أكلتين ثلاث وجبات؟ كان سيحصل لسيدنا الحسن البصري ذعر، ولو أن واحداً من التابعين أو الصحابة يعيش في أوساطنا اليوم لحصل له ذعر.
يقول الإمام أبو حنيفة: سوف يأتي زمان على أمة محمد لا يعرفون فيه إلا بالصلاة.
فلو دخلت على أي مجتمع مسلم، دخلت منطقة (الدقي) -مثلاً- لعرفت أن أهلها مسلمون لأنهم مصلون يدخلون الجامع، وإلا فما الفرق بين شارع التحرير وشارع الشنزليزيه في باريس أو أي شارع في أمريكا وأوروبا؟ أليس في باريس عرايا؟ فإن عندنا عرايا، وفي باريس بنوك ربوية، ففي كل مترين تجد غضب الله ونقمته نازلة على البلد بسبب الربا، وفي أمريكا وأوروبا خمور وصالات المجون وكذلك في معظم بلداننا الإسلامية، وهكذا.
إذاً: المسلمون لن يعرفوا إلا بالصلاة، فأريدكم أن تمسكوا بالصلاة بأيديكم وأسنانكم، وسوف تنقض عرى الإسلام عروة عروة أولها الحكم وآخرها الصلاة، اللهم أعد إلينا الحكم بكتابك وسنة حبيبك يا رب العالمين.