إذاً: الجنة الذي يريد أن يدخلها لابد أن يجتاز الحواجز، قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:73]، الواو في سياق ذكر الجنة، فلابد أن يصبر المسلم على المصاعب، فيصبر على امرأته وعياله، ويصبر على جاره، ويصبر على رئيسه، ويصبر على الدولة، ويصبر على أهل السوء، فهذه كلها مصائب، قال تعالى: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:73] فهي تأخذ وقتاً في الفتح؛ لأن هناك مكاره؛ لأن الجنة لما قالت: قد كثر حريري وإستبرقي وقصوري ونوري وحوري وأنهاري وأشجاري وأطياري، فأرسل إلي عبادك المؤمنين، قال: لك كل مؤمن ومؤمنة لا يشرك بي شيئاً، ويؤمن بيوم الحساب فقالت: قد أفلح المؤمنون، فقال الله عز وجل: طوبى لك منزل الملوك! يقول صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة لمائة درجة، ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض) فكل منا لابد أن يحن إلى جنة الرضوان، ولذلك كان عمار يقول يوم وقعة صفين: اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه أما أهل النار فيقول الله فيهم: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} [الزمر:71]، أي: على الباب {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:71] يعني: هو يمشي وفجأة فتح الباب فيرمونه فيها، ثم بعد ذلك يقول الله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:30 - 32].
أما المؤمن فهو في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، آمن يوم الفزع؛ لأنه كان خائفاً في الدنيا، وإن الله لا يجمع علينا أمنين ولا خوفين، من أمنه في الدنيا أخافه في الآخرة، ومن خافه في الدنيا أمنه في الآخرة، اللهم أخفنا منك في الدنيا، وأمنا يوم القيامة يا رب العالمين! مفتاح الاستعداد للآخرة: قصر الأمل، فطول الأمل هذه مصيبة تجد العبد يؤمل إلى ما بعد عشرين أو ثلاثين سنة، سيدنا أسامة بن زيد اشترى فصيلاً من الإبل، فقال له الرسول: (ما هذا يا أسامة؟ قال: هذا فصيل اشتريته لشهرين، فقال: أتعجبون من أسامة؟! إن أسامة لطويل الأمل) اشتراه على سداد شهرين وإذا به طويل الأمل! فلابد أن يكون عندنا قصر في الأمل، فتشعر أنك ضيف، والضيف لابد أن يمشي، وأنه سوف يعود إلى وطنه، قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} [الفجر:27 - 28]، ارجعي إلى مكانك الأصلي.
إذا كنت مؤمناً وأغضبتك زوجتك أو شتمتك قالت الحور العين من زوجاته في الجنة: ويحك! عما قليل سوف يحل عندنا فيرى كل النعيم، فلا يسمع قلة أدب، ولا يسمع لساناً بذيئاً.
وقد جاء في وصف الحور العين أنها لو بصقت في البحر الملح الأجاج لحولته عذباً فراتاً، ولو أخرجت طرف أصبعها في الليل البهيم لأحالته نهاراً مشرقاً، يرى المؤمن وجهه في صفحة خدها، تقول الحور العين: (نحن الناعمات فلا نبأس أبداً، الراضيات فلا نسخط أبداً، الخالدات فلا نموت أبداً، المقيمات فلا نظعن أبداً، فطوبى لمن كان لنا، وطوبى لمن كنا له)، ويقول سيدنا الحبيب: (لولا أن الله لم يكتب الموت على أهل الجنة لماتوا من حلاوة صوت قعقعة الجنة)، يعني: صوت الضرب على باب الجنة، والله أعد في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
كذلك في قصور الجنة أبواب، الباب الأول يدخل عليك منه زوجتك من الحور العين، والباب الثاني: يدخل منه الملائكة، وقبل ما يدخلون يستئذنون عليه: يا ولي الله! معك هدية من عند الله سبحانه.
الباب الثالث: يدخل عليك منه الغلمان والخدم، قال الله: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا} [الإنسان:19]، فالخدام مثل اللؤلؤ في الجمال.
الباب الرابع: تدخل أنت منه على الله رب العالمين، يدخل عليك الملك ببطاقة مكتوب فيها بحروف من نور: عبدي اشتقت إليك، فيطلب المولى منك الزيارة، وبينما هم ذاهبون لزيارة الله تعترضهم السحاب فتمطر عليهم مسكاً رائحته من أطيب الطيب، ثم يقول الله عز وجل: يا ملائكتي! هؤلاء هم جيراني وعبادي، وأهلي، ووفدي، أكرموهم، وأطعموهم، فتطعمهم الملائكة فيقول الله: هل أطعمتموهم؟ فيقولون: نعم يا رب! قال: اسقوهم، فتسقيهم، ثم يقول: اكسوهم وطيبوهم، فتأتي السحاب وترش عليك مسكاً مرة أخرى، ثم يقول الله: عبادي حرموا على أسماعهم الخنا في الدنيا فأنا أعوضهم، قم يا عبدي داود ورتل عليهم الزبور، وكان صوت سيدنا داود جميلاً في الدنيا، حتى إنه من جماله يردد وراءه الطير والجبال، قال تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ:10]، ولذلك سيدنا الحبيب سمع أبا موسى الأشعري يقرأ القرآن ويصلي وحده فلما انتهى من صلاته قال له: (يا أبا موسى! لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)، قال: لو كنت أعلم أنك تسمعني لحبرته لك تحبيراً، أي: لكنت حسنت صوتي، انظر إلى حنان الحبيب مع الصحابة، وحب الصحابة للحبيب، اللهم لا تحرمنا من رؤية وجه الحبيب في الجنة.
فأهل الجنة إذا سمعوا الغناء كادوا يفقدون وعيهم فيقول: يا عبادي! هل سمعتم أفضل من ذلك؟ فيقولون: لا يا رب وعزتك وجلالك ما سمعنا أفضل من هذا، فيقول: وعزتي وجلالي لأسمعنكم أفضل منه، فيقول لحبيبنا محمد: رتل عليهم سورة طه، وتخيل أنك تسمع الحبيب المصطفى يرتل، ثم يقول الله: هل سمعتم أفضل من هذا؟ فيقولون: لا وعزتك، فيقول الله: وعزتي وجلالي لأسمعنكم أجمل وأفضل من هذا، ثم يكشف رب العباد عن وجهه لعباده ويرتل سورة الرحمن، ثم بعدما ينتهي يقول: يا عبادي! هل سمعتم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وعزتك وجلالك ما سمعنا أفضل من ذلك، ثم يقول: سوف أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون: يا رب! وهل هناك أفضل من ذلك؟! قال: سوف أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً، وذلك تفسير قول الله عز وجل: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة:72].
اللهم ارض عنا، اللهم ارض عنا، اللهم ارض عنا، اللهم إن لم ترض عنا فاعف عنا، اللهم إن لم ترض عنا فاعف عنا، اللهم إن لم ترض عنا فاعف عنا، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك.
نقول جميعاً: تبنا إلى الله! تبنا إلى الله! تبنا إلى الله! ورجعنا إليه، وندمنا على ما فعلنا، وعزمنا عزماً أكيداً على أننا لا نخالف أمراً من أوامر الله، وبرئنا من كل دين يخالف دين الإسلام، والله على ما نقول وكيل.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.