المفتاح الثالث: مفتاح البر الصدق، بأن تكون صادقاً مع الله ومع الناس ومع نفسك.
دخل رجل على أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه، فقال له: يا أبا الحسن! أنا قد تبت، أأذكر ذنوبي وأضعها نصب عيني دائماً أم أنساها؟ قال له: اجعل ذنوبك أمام عينيك من أجل ألا تنساها ومن أجل أن تكثر من التوبة.
فقال تلميذ لـ أبي الحسن: يا أبا الحسن! لقد كان في حالة الذنوب مع الله في حالة جفاء، فلما تاب إلى الله صار مع الله في حالة الوفاء، ومن كان في جفاء ثم صار في وفاء فذكر الجفاء بعد الوفاء جفاء.
وأقل ثواب في الصلاة أن الذي لا يصلي يحرم نفسه من الأجر الجزيل في التشهد، فإنه عندما يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه يسلم على كل مصل صالح، وإذا كان عدد المسلمين في العالم ألف ومائتين مليون مسلم، فلو صلى منهم نصف مليار مسلم أي: خمسمائة مليون مسلم، فإنه يسلم على الخمسمائة مليون مصل، وأجر السلام لكل واحد منهم ثلاثون حسنة، فيكون له من الأجر في الصلاة الواحدة ناتج مجموع ضرب ثلاثين في خمسمائة مليون، فالذي لا يصلي يحرم نفسه من هذا الكم الهائل من مليارات الحسنات، وذلك برحمة الله لا بأعمالنا.
سأل رجل أبا حامد في قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29] فما شأن الله اليوم؟ فقال أبو حامد: أفكر فيها وأخبرك غداً إن شاء الله، فلما جاء الغد أعاد عليه السؤال فقال له: غداً إن شاء الله، واستمر كذلك ثلاثة أيام، فلما رجع أبو حامد إلى البيت قال: اللهم ألهمني الإجابة، فرأى في الرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال له: يا أبا حامد! إذا جاءك السائل ليسألك غداً ما شأن الله اليوم؟ فقل: إن لله أموراً يبديها ولا يبتديها، أي: ليس لها بداية لأن الله هو الأول والآخر، يرفع أقواماً ويخفض آخرين.
فهذه الإجابة ممن لا ينطق عن الهوى، فقال له السائل: يا أبا حامد! أكثر من الصلاة والسلام على من علمك هذا في المنام.
وقال سيدنا علي رضي الله عنه: اشتقت لرؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم معه طبق رطب، فأعطاني منه اثنتين، ثم استيقظت وحلاوة رطب الرسول في فمي، فذهبت إلى عمر بن الخطاب أبشره وأفرحه، بأنني رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤيا، فدخلت المسجد وإذا بالصلاة قد أقيمت فلما انتهينا من الصلاة دخلت امرأة ومعها طبق فيه رطب فأعطته أمير المؤمنين، فوزعه على الحاضرين وأعطاني منه اثنتين وأنا أشتهي في نفسي رطباً أخرى، فنظر إلي عمر مبتسماً وقال: يا علي! لو زادك الرسول لزدناك.
أي: أن تموينك من الحبيب صلى الله عليه وسلم في الرؤيا كان تمرتين، ونحن ننفذ الأوامر.
وبينما كان عمر يوم الجمعة على المنبر يخطب إذ قطع الخطبة، ونظر إلى الشمال وقال: يا سارية الجبل الجبل! فمن استرعى الذئب ظلم، فلما نزل سيدنا عمر من المنبر، سأله سيدنا علي فقال: يا أمير المؤمنين! قلت شيئاً في الخطبة لم نفهمه، وهو: يا سارية الجبل الجبل! وبعد ذلك أتممت الخطبة، فقال: وقع في خاطري وفي خلدي أن المسلمين الذين هم تحت قيادة سارية أعد لهم كمين من وراء الجبل، فأردت أن أنبههم وأحذرهم.
فلما رجع سارية بعد شهرين، قال: إنه في يوم كذا وفي ساعة كذا، سمعنا صوتاً كصوت أمير المؤمنين عمر يقول: يا سارية الجبل الجبل! فنظرنا فإذا كمين أعد لنا فانتبهنا ففتح الله علينا فانتصرنا.
يا ليت الصوفية على حق ونحن نقبل تراباً يسيرون عليه، فالتهريج واللف حول المقابر والصلاة في أضرحة الأولياء، ليست من أعمال الصوفية الحقيقية ولا الصوفية تعرفها، فنحن مسلمون، قال تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:78] وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3] فمن سيقف بين يدي الله يوم القيامة فإنه يقول: أنا مسلم.