وسيدنا سعيد بن زيد رضي الله عنه كان في القادسية مع سعد بن أبي وقاص الذي فتح المدائن عاصمة كسرى وهو ملقى على بطنه؛ بسبب الخراريج في جسده كله، فما كان يستطيع أن يجلس، فأدار المعركة وهو منبطح على بطنه، وكان النصر حليفاً للمسلمين، وكان القائد من هؤلاء يجعل قارئ القرآن قبل المعركة يرتل أمام الناس سورة الأنفال وسورة التوبة، لتلقيان الحماسة في قلوب المقاتلين ليتحقق نصر دين الله عز وجل.
وكان سيدنا خالد عندما يسمع القارئ يقرأ سورة التوبة إلى قوله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:128 - 129] يقول: الله أكبر! هبي رياح النصر، ويدخل خالد وسط المعركة أول واحد يحارب ولا يجعل حوله ستمائة حارس.
وقال سيدنا علي رضي الله عنه: كنا إذا اشتد البأس أو احمرت الحدق وحمي الوطيس -يعني: المعركة- احتمينا بظهر رسول الله، فلا يكون أحد منا أقرب إلى العدو منه.
يعني: عندما تشتد المعركة يختبئ الصحابة وراء الحبيب المصطفى، ويكون أقرب مقاتل للسهام، فأي شجاعة كان عليها رسول الله! وأي شجاعة كان عليها سيدنا سعد أول من رمى بسهم في سبيل الله! وأول يوم في معركة المدائن يصاب المسلمون بانكسار وانحسار، حتى حصلت لهم هزيمة، وكان المسلمون يسمون الأسماء بمسمياتها، لكن نحن نلبس الحق بالباطل، نضرب في عام 1967م من قبل اليهود ونسميها نكسة، والناس تشرب الخمر ويقولون عنها: إنها مشروبات روحية، أو يرقصون بخلاعة ومياعة ويقولون: هذا فن، قال صلى الله عليه وسلم: (سوف يأتي زمان على أمتي يسمون الحرام بغير أسمائه) أي: يلبسون الحق بالباطل، ينزعون الاسم المعروف ويجعلون بدله اسماً آخر مثل الرجل الذي قال: نحن لا نسمي ما في البنوك فوائد وإنما نسميها عوائد، إذاً: أطلق على الخنزير أنه بقرة وكله؛ أسأل الله السلامة، إن كان على تغيير الاسم فغير، لكن ماذا ستقول لله يوم القيامة؟ أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار.
سيدنا سعد جمع الجيش والقوات، وقال لهم: هناك أسباب للهزيمة، فهل صليتم صلاة الخوف؟ قالوا: نعم، صلينا.
وصلاة الخوف في المعركة بأن يقسم الجيش نصفين، نصف يصلي ركعة ونصف يحرس ويحمل الأسلحة ويستعد للقتال حتى لا يهجم أحد على المصلين، ثم يخرج الذين صلوا ركعة فيحملون السلاح، ثم يدخل الذين لم يصلوا فيصلون ركعة خلف الإمام، ثم بعد ذلك الذي صلى الركعة الثانية يخرج من أجل أن يحرس بقية الجيش، ويدخل الذي صلى الركعة الأولى فيصلي الركعة الثانية، وهكذا بالتبادل إلى أن يصلوا الركعتين، وهذه كيفية من كيفيات صلاة الخوف.
وصلاة الخوف تكون حتى في شدة القتال، وقد أفتى رجل في عام 73م بأنه يجوز للجيش المصري أن يفطر كله في رمضان، وهذه الفتوى غير صحيحة، فالذي لا يقدر أن يصوم أصلاً فإنه يفطر، لكن ما عدا ذلك فالأصل أنه ينوي من الليل الصيام ويدخل في المعركة في النهار، فإن تضرر تضرراً بالغاً من الصيام بحيث أنه لا يقدر على المواجهة فإنه يفطر، أما أن الجيش كله ينوي ألا يصوم فيأتي النهار وهم مفطرون فماذا سيصنع جيش قد أفطر بكامله؟ فلقد حارب المسلمون في بدر في شهر رمضان وهم صائمون، وفتحوا مكة في رمضان وهم صائمون.
فقال سيدنا سعد للجيش: لابد أن يكون هنالك خلل تسبب في الهزيمة، فصاح صائح: يا أيها القائد! الخلل هو أننا نسينا سنة السواك، فأمر القائد الجيش أن يستاكوا فما أتى اليوم الثاني إلا وكل واحد ومعه السلاح والسواك.
فالسلاح اتخاذ السبب، والسواك الاعتصام بالسنة، وفوق كل ذلك فإن الله هو الناصر والمعين، والنصر من عند الله، وإنما يجب علينا الأخذ بأسباب النصر من إعداد العدة والتخطيط الناجح وغير ذلك.
فلما رأى حراس المدائن ثلاثين ألفاً أو أربعين ألفاً يضعون شيئاً في أفواههم، تيقنوا أن العرب من أكلة لحوم البشر، فقد كانوا يعلمون سابقاً أن العرب في الجزيرة العربية يأكلون لحوم البشر، فقذف الله الرعب في قلوبهم فتركوا أبواب الحصون وفروا هاربين، فقام سيدنا سعد وأمر البراء بن عازب الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (رب أشعث أغبر ذي طمرين -يعني: ذا ثوبين باليين- لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن عازب).
فقال له: اقسم على الله ليفتحن لنا المدائن اليوم، فصلى البراء ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: أقسم عليك بعزتك وجلالك أن نصلي المغرب اليوم خلف سعد بن أبي وقاص في عاصمة كسرى، فاستجاب الله الدعاء، فما أذن المؤذن إلا في إيوان كسرى.
هكذا ينتصر الإسلام، وهكذا نعود إلى الاستقامة، طالما الإنسان يعيش بأقدامه في الدنيا ولكن قلبه مع الله في الآخرة تصلح دنيانا وأخرانا، ولكننا كما قال الشاعر: نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع.