ضرورة الخوف من الله وثمرة ذلك الخوف

ينبغي للمسلم أن يخاف الله عز وجل؛ ولذلك قال سيدنا علي: إن لله عباداً فطنا يعني: أذكياء، جمع فطن.

إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا فتنا نظروا فيها فلما علموا أي: نظروا في الدنيا نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا ويقول صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر! أحكم السفينة فإن البحر عميق، وخفف الحمل فإن العقبة كئود، وأكثر الزاد فإن السفر طويل، وأخلص النية فإن الناقد بصير).

يعني: أن البلاء كثير، والفتن كثيرة ومتتابعة، يقول فيها الحبيب صلى الله عليه وسلم: (سوف تأتي الفتن على المؤمن يرقق بعضها بعضاً)، مثلاً: كنت تسمع عن مصيبة من سنوات كأن يحكي لك ابن عمك مشكلة يقول: مرة عملت كبيرة من الكبائر، وهي أن والدي رآني وأنا أشرب سيجارة، فهذه بالنسبة لعمك من ستين سنة كانت مصيبة، أما اليوم فإن العم عندما يرى ابنه وهو واضع رجلاً على رجل يحييه بسيجارة، فكأن المصيبة السابقة بالنسبة لوالده لم تكن مصيبة! وتسمع بعد ذلك قائلاً يقول لك: مرة واحد عندنا في البلد أشار لوالده هكذا، ستقول: لا، لا، قل كلاماً غير هذا، ويأتي مرة ثانية ويقول لك: واحد قتل والده، فالذي أشار لوالده هذا يعتبر ملكاً من الملائكة أمام من قتل والده.

وعندما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق، قال: (ما لي أرى الفتن تتساقط على بيوتكم تساقط المطر) الفتن تتساقط على بيوت الصحابة، فكيف لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم مشى مرة في قرانا ومدننا ماذا يقول؟! فقال الصحابة: (كيف نتقيها يا رسول الله؟!) فالصحابة أرادوا أن يعرفوا العلاج من الطبيب الذي يشخص المرض، قال: (اتقوها بتقوى الله وكثرة الاستغفار)؛ والتقوى: هي ألا يجدك حيث نهاك، ولا يفتقدك حيث أمرك.

يعني: أن ربنا سبحانه وتعالى عندما ينظر إليك فلا يجدك في مكان قال لك: لا تقعد في هذا المكان، وعندما يبحث عنك في مجالس العلم، وفي صلاة الجماعة، وفي عيادة المريض، وبإدخال السرور على المسلمين، وفي صلة الأرحام يجدك في هذه المواطن.

ويعرّف سيدنا علي التقوى ويقول: التقوى: هي: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.

وسئل الحسن البصري عن سبب خوفه الدائم، وطلب منه أن يصف خوفه فقال: لو أنك ركبت البحر في مركب أو قارب، فانقلب بك من شدة الأمواج فتحطم القارب أو المركب ولم يبق منه إلا لوح تعلقت به وسط الأمواج، كيف يكون حالك؟! قال له: سأكون في حالة رعب شديدة، قال: أنا هكذا مع الله ليل نهار.

إذاً: ينبغي لنا أن نغلب جانب الخوف على جانب الرجاء، مما يجعلنا نستشعر معنى قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18].

كل أعمال ابن آدم وأقواله إما له وإما عليه، فأنت عندما تمسح على رأس اليتيم تؤجر، فقد جاء في الحديث: (فاضت الرحمة من مفرق شعره إلى أخمص قدميه، وصلى عليه سبعون ألف ملك، وكان له بكل شعرة من شعر اليتيم حسنة) وهذه اليد لو امتدت وأخذت جنيهاً رشوة، فإنها تأثم، والعرب كانت عندهم كنايات لطيفة، كانوا يقولون: فلان نظيف اليد، يعني: لا يأكل بها حراماً.

وهذه السيدة نفيسة لما مات الشافعي رحمه الله قالت: رحم الله الشافعي كان يحسن الوضوء، فقال لها بعض من الجالسين: كيف كان يحسن الوضوء؟! قالت: كان يحسن الوضوء الباطني.

يعني: كان نظيفاً من الداخل، كما كان نظيفاً من الخارج، فهو نظيف مظهراً ومخبراً.

والأعمال القلبية معنوية ليست ملموسة ولا محسوسة بالحواس، فمنها ما هو خير ومنها ما هو شر، فأعمال القلب الخيرية كالخوف والرجاء والشكر والذكر وحب الخير وكراهية الباطل وحب المؤمنين وكراهية الكافرين هذه كلها معنوية، أما أعمال القلب غير الخيرية فهي الغل والحسد، والحقد، والضغينة، وعدم حب الناس، والغيبة، والنميمة، فلو أن هذه الأعمال أصبحت ملموسة محسوسة، فهناك من الأعمال ما تستحي أن يراها الناس، فلا تستطيع إظهارها، فكيف تبارز الله بها وهو يعلم السر وأخفى، وهو أعظم من يخشى ويتقى؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015