أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الحادية والعشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة الرابعة عن النار والعياذ بالله رب العالمين، أبعدنا الله وإياكم عن النار، وأدخلنا وإياكم والمسلمين والمسلمات الجنة.
في بداية هذه الحلقة، وبحضور هذا الجمع الطيب، وهذه الوجوه المؤمنة، والقلوب المخبتة، نتوجه بخالص الدعاء لله عز وجل عسى أن تكون أبواب السماء مفتوحة، وعسى أن يستجيب لنا ربنا دعاءنا فنقول: اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، اللهم لا تجعل بيننا شقياً ولا محروماً.
اللهم اجعلنا من السعداء الأتقياء، اللهم اجعلنا من السعداء الأتقياء، اللهم اجعلنا من السعداء الأتقياء، ولا تجعلنا من الأشقياء المحرومين يا رب العالمين.
اللهم ارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً.
اللهم إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تصل إلينا.
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.
يا أرحم الراحمين أرحمنا وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن عين لا تدمع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تقنع، ومن دعاء لا يسمع، ومن بطن لا تشبع.
اللهم إنا نسألك من الخير كله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك.
اللهم لا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً.
اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض.
اللهم تب على المذنبين والعصاة.
اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا.
اللهم انصرنا على أعدائنا، اللهم انصرنا على أعدائنا، اللهم انصرنا على أعدائنا أعداء الدين، واغفر لنا يا ربنا وأنت خير الغافرين، وأهلك الكافرين بالكافرين، والظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين.
اللهم إنا نسألك نسألك يا مولانا رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، نسألك يا ربنا رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، ومن خزي العذاب في النار، ومتعنا بجنة الرضوان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الإخوة الأحباب! في الحلقة السابقة كان الحديث صعباً وثقيلاً على النفس، وكان ثقيلاً على القلوب جميعها، وذلك عندما تحدثنا عن أنواع العذاب في النار، أجارنا الله وإياكم من النار ومن عذابها، ولكن تظل لنا رحمة الله عز وجل، ويبقى لنا فضل الله عز وجل.
ودائماً المسلم يدعو ربه: اللهم عاملني بفضلك، ولا تعاملني بعدلك، إن عاملتنا يا ربنا بفضلك رحمتنا، وإن عاملتنا بعدلك أهلكتنا، ولكنك يا ربنا حنان تحن علينا بالتوبة والمغفرة والهداية، منان تعطينا قبل أن نسألك، فأنت العفو الغفور، وأنت الرحمن الرحيم، نسألك رحمتك يا أرحم الرحمين.
ثم أريد أن أطمئن هذه القلوب الخائفة التي ارتعدت من الحديث الماضي، ولكن قبل ذلك أريد أن أقول لكم: إن حلقة الدار الآخرة هي عبارة عن جرعات يأخذها قلب المسلم؛ لكي يقترب من رب العباد سبحانه وتعالى، ويبتعد عن كل ما يغضب الله، ولكي يبتعد عن كل ما حرم الله، ولكي يسرع بالتوبة إلى الله عز وجل؛ لأنه لا يدري متى يزوره ملك الموت.
اللهم إن زارنا ملك الموت فليجدنا على توبة وطاعة وهداية وإقبال وقرب منك يا رب العالمين.
إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال فيه ربه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] قال في حديث رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (إن فئاماً -يعني مجموعات- من الناس من نزاع القبائل -يعني من قبائل شتى- قد تحابوا في الله عز وجل على غير أرحام بينهم، أولئك على منابر من نور بجوار النبيين والصديقين، حتى يفرغ الناس من الحساب).
هذا من الأحاديث المبشرة التي وردت في خاطري في هذه اللحظة؛ لكي يستشعر الإنسان خيراً، فأنت تحب إخوانك في الله، وإخوانك يحبونك في الله على غير أرحام بينكم، ونحن نحب بعضنا بعضاً في الله، ونأتي إلى بيت الله ليس لأرحام بيننا، وإنما يربط بيننا حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ويربط بيننا حب تعمير بيت الله، وحب مجالس العلم، وحب ذكر الله عز وجل، فاستبشروا ثم استبشروا ثم استبشروا.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان كلما رأى الصحابة أفواجاً وجماعات وفرادى في المسجد النبوي الشريف، يتلقاهم متبسماً ويقول: (مرحباً بالقوم، غير خزايا ولا نادمين).
وفي ذات يوم خرج لصلاة المغرب وصلى بالمسلمين المغرب، ثم عاد إلى بيته، ثم خرج إلى الصحابة وهم في المسجد مسرعاً وقال: (هذا ربكم عز وجل فتح لكم باباً من أبواب رحمته، ويباهي بكم الملائكة ويقول: هؤلاء عبادي قد أدوا فريضة وهم ينتظرون فريضة أخرى، أشهدكم يا ملائكتي أني أحبهم، وغفرت لهم ذنوبهم، ورضيت عنهم).
اللهم احشرنا في زمرة الصالحين يا رب العالمين.
أتمنى أن تكون هذه الحلقة هي آخر الحلقات عن النار.
والمسألة ليست مسألة تخويف، ولا مسألة تنفير؛ لأن بعض الإخوة والأخوات يتصلون بي ويقولون: هل كل شيء أصبح حراماً وخطأ، والمجتمع ليس فيه شيء من الخير؟ إذا كان كذلك فماذا نصنع؟ أقول: أريد أن أطمئن نفسي وأطمئنهم طالما أننا نزيد في جرعة خوفنا من الله فذلك هو الذي يقربنا إلى الله عز وجل، فهذا سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما يقول: لأن تجلسوا مع أناس يخوفونكم فتلقون أمناً يوم القيامة خير لكم من أن تجلسوا مع أناس يؤمنونكم فتجدون خوفاً يوم القيامة، فإن الله لا يجمع على عبده أمنين ولا خوفين، من خاف في الدنيا أمنه الله في الآخرة، ومن أمن في الدنيا أخافه الله في الآخرة.
يعني: لا تجد آمناً من عذاب الله في الدنيا إلا وهو منحرف، فإذا وجدت من يقول لك: ما بيني وبين ربنا عامر فاعلم أن بينه وبين ربنا خراباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعرف الخلق بالخالق، وهو أقرب الخلق من الخالق، وهو أحب الخلق إلى الخالق، كان أشد الناس خوفاً صلى الله عليه وسلم، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (أنا أقربكم إلى ربي، ولكني أشدكم خشية).
وهذا مثل ولله المثل الأعلى: عندما يكون هناك مسئول، ومدير مكتبه هو أعرف الناس به، يعرف متى يغضب، ومتى يرضى، متى يحب، ومتى يكره، ويعرف الحاجة التي يحبها، والحاجة التي لا يحبها؛ لأنه أقرب الناس إليه، فلذلك يتقي غضبه، ولا يعمل الشيء الذي يجعله يغضب عليه، ولله المثل الأعلى كلما اقترب العبد من ربه ابتعد عن كل ما يغضبه سبحانه، وعمل كل ما يرضي الله، اللهم اجعلنا منهم يا رب.
وهذا سيدنا عمر كان يقرب إصبعه من التنور التي تطبخ عليه زوجته ويقول: يا بن الخطاب ألك صبر على مثل هذا؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن أهل النار وجدوا ناراً من نيران الدنيا لاستراحوا فيها وناموا).
فإذاً: نار الآخرة خطيرة وعظيمة.
والله سبحانه يقول لجهنم: {هَلِ امْتَلأْتِ} [ق:30] فتقول: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30] فهي تطلب المزيد حتى يضع القهار فيها قدمه فتقول: يا رب! بعزتك قد امتلأت، بعزتك قد امتلأت، بعزتك قد امتلأت، وينزوي بعضها إلى بعض خشية من الجبار سبحانه أن يكون قد خلق خلقاً غيرها ليعذبها به.
إذاً: النار نفسها في حالة من الرعب.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (سوف يأتي زمن على أمتي يستقل الصبي المائة دينار) فالمائة دينار تكفي قبيلة، لكن تعطي اليوم مائة جنيه للطفل فيقول: ماذا أصنع بها؟ أين المصاريف؟ أين البنطلون؟ أين القميص؟ أين (الكرفتات)؟ أين مصروف المدرسة؟ أين أين أين المائة جنيه ليس لها قيمة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (سوف يأتي زمان على أمتي يستخفي المؤمن فيهم كما يستخفي المنافق فينا اليوم) كان المنافقون في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخفون، لكن اليوم المؤمن هو الذي يستخفي في المكتب والعمل، فأنت تستحي أن تتكلم في أمور الدين؛ لأنهم سيهجمون عليك، ومع ذلك تجدهم يقولون: نحن بيننا وبين ربنا عمار، ويقولون: هؤلاء المشايخ ما هو علمهم؟! فترى الواحد منهم يخوض في العالم ويسب العالم ولا يهمه؛ لأن المسألة عنده سهلة، وهي أن بينه وبين ربنا عماراً حسب زعمه، ويؤذن لصلاة الظهر والعصر ولا يصلي، ويزعم أن بينه وبين ربنا عماراً، أي عمار هذا؟!