تحدثنا في الحلقات السابقة عن نوع من أهل العذاب الذين هم أهل الحسرات، الذين يدخلون النكد على بيوت المسلمين، وهم أصحاب الإشاعات.
هذا الأكل والشرب والحسرات في النار، فهل هم عرايا في النار؟ لا، هم لابسون، لكن أي نوع من اللبس؟ قال تعالى: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19] فمن الذي يلبس ثياباً من نار؟ هو الذي لم يكن يلبس في الدنيا إلا من حرام، أو يلبس ثوب الكبرياء مثلاً؛ لأن الكبرياء إزار الله، والعظمة رداء الله، قال تعالى في الحديث القدسي: (الكبرياء إزاري والعظمة ردائي، فمن نازعني فيهما ألقيته في ناري ثم لا أبالي) ولذلك فمن أول الناس دخولاً النار ثلاثة، من ضمنهم: الفقير الفخور، فهو فقير ولكن لا أحد يستطيع أن يكلمه، ذاك الغني معه ذريعة، فماله ينسيه ويميله عن الحق، لكن عندما يكون الشخص فقيراً، فالأصل أن يتواضع على قدر حاله، وكذا الذي علمه على قدره فالأصل ألا يتعاظم به، فكلنا جهلاء إلا ما علمنا الله عز وجل، فاللهم علمنا ما جهلنا، وذكرنا ما نسينا يا رب العالمين.
وقوله تعالى: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19].
اسمع كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أكل برجل مسلم أكلة) مثل شخص باع مسلماً، أي: نصب عليه فأكل منه شيئاً، والنصابون كثيرون في كل وقت وفي كل حين، وطالما أن في الدنيا مغفلين فالنصابون بخير، جاء نصاب وطرق باب بيت في الجيزة، ففتحت المرأة، فقال لها: فلان موجود، قالت: ذهب إلى العمل، قال: هو بعث لكم كنبة من عندنا من عمر أفندي، كان يلبس ثوباً مكتوباً عليه عمر أفندي، فنريد أن توقعي بالاستلام، فوقعت المرأة بالاستلام، فأخذا الكنبة وأدخلها إلى الداخل، المرأة بعد قليل خرجت فإذا بالذي أدخل الكنبة أخذ الذي في الشقة ومشى، فلو أتينا بهذا وقطعنا يده، أو الموظف الذي في المصلحة الحكومية أو في مجلس المدينة المحافظة أو إدارة المباني أو أو إلى آخره وقطعنا أيديهم هل سينتشر النصب؟ لا يمكن، وتجدهم يسجنونه يسيراً ثم يطلقونه، بينما هناك أناس اتهموهم بقلب نظام الحكم، أو مقاومة السلطة، فيرمونهم في غياهب السجون ولا يخرجون منها؛ لأن هذه قضية أمن دولة، وذاك الذي يسرق الناس - بزعمهم - والله ما سرق شيئاً من أحد، وإنما يقول: قال الله قال الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون قد تعدى الحدود بعض الشيء، لكن ممكن أن نتفاهم معه، ونحن الذين نتفاهم وليس أنت؛ لأنه يحبنا نحن، ونحن بالكتاب والسنة نهدئه، فأنت عندما تأخذه إلى السجن ماذا أخذت منه؟ الكارثة الثانية بعد النصب: السرقة، زوجة أحد أصدقائنا دخلت المصعد، فدخل شخص وراءها وقفل الباب وقال: أخرجي الذي معك، فقالت: طيب افتح الباب حتى أرى الضوء، فلما فتح الباب صرخت صرخة بقوة: حرامي حرامي، فخرج يجري، فأمسك البوابون الحرامي، واتصلوا بالقسم، فأخذوا يماطلون: أنتم تبع قسم الأوقاف أنتم تبع قسم كذا!! وواحد من أصحابنا ما شاء الله عليه قال لهم: نحن البيت الفلاني بجوار الفندق الفلاني، أنا أرى اثنين ملتحيين يحومون حول الفندق، أنا أخشى أن يعملوا حريقاً في الفندق، فثلاث سيارات أمن مركزي وصلت! وبعد هذا ننتظر رحمة تنزل من الله! إذاً: ثياب أهل النار تقطع لهم - والعياذ بالله - من نار، فسيدنا الحبيب يقول: (الذي يأكل بمسلم أكلة) يعني: يبيع مسلماً لمسيحي نصاب، ويبيعه لكي يأكل به أكلة، (أطعمه الله مثلها في جهنم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (ومن كسا أو اكتسى برجل مسلم كساه الله مثلها في جهنم) يعني: ضيع على واحد حقه، أو أخذ من إنسان مالاً بدون وجه حق، فهذا والعياذ بالله قد اكتسى به، فربنا والعياذ بالله يكسوه من ثياب النار.