الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على سيدنا رسول الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يا رب عليهم تسليماً كثيراً.
توقفنا في الحلقة السابقة عند الحديث عن الحوض، فاللهم أوردنا حوض نبينا يا رب العالمين.
وربما حدث لبس لبعض المستمعين لهذه الحلقات، من قولنا: إن من الناس من يعبر الصراط وينجو من قناطره الصعبة، ثم بعد ذلك يمنع ويطرد من الحوض.
وتحدثنا في الحلقة السابقة عن أنواع ثمانية لا تشرب من حوض الكوثر ولا ترد عليه؛ بل تردهم الملائكة وتمنعهم من الشرب، فينهض الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لكي يشفع لهم عند مولاه عز وجل، لكن الله سبحانه وتعالى لا يقبل فيهم شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالمسألة صعبة وليست من السهولة بمكان.
وعرفنا أن من الناس من يأخذ كتابه بيمينه، وتثقل حسناته في الميزان، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين! ثم بعد ذلك يعبر الصراط، فإذا به يمنع من الحوض، فكيف يكون ذلك؟ هناك رأي وجيه لبعض العلماء يقول: إن الحوض قبل الصراط.
ومعلوم أن كل الحديث عن الدار الآخرة، وكل الأحداث الخطيرة الرهيبة العظيمة الجليلة التي لا تخطر ببال بشر سوف تحدث لنا بعد أن نخرج من قبورنا عرايا كما ولدتنا أمهاتنا، فيؤمن الإنسان بذلك ولا يعمل فيه عقله، فليس فيها إعمال فكر ولا اجتهاد ولا قياس، ولكن نأخذ الأمر كما هو؛ لأن ترتيب حديث البخاري والترمذي فيما رواه أنس رضي الله عنه، ورواه أبو هريرة: أن أنساً كان يريد أن يطمئن هل سيقابل الحبيب المصطفى في الآخرة أم لا؟ فقال: (يا رسول الله! أين أجدك يوم القيامة؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس! تجدني عند الميزان، فقال له: فإن لم أجدك عند الميزان؟! قال: تجدني عند الصراط) يريد أنس أن يطمئن، مع أنه ظل مع سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عشر سنين.
فلو أن مدرساً مشهوراً يعلمك فإنك تفخر به فتقول: أنا علمني المدرس فلان.
فـ أنس عندما كان طفلاً عمره عشر سنين علمه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأي فخر هذا، وأي عظمة تلك؟! فقال له سيدنا أنس: (فإن لم أجدك عند الميزان؟ قال: تجدني عند الصراط)، فأراد سيدنا أنس أن يطمئن أكثر؛ لأنه قلق (فقال: فإن لم أجدك عند الصراط؟ قال: تجدني عند الحوض، لا تخطئني هذه الأماكن الثلاثة).
فهذا هو الترتيب الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث للدار الآخرة: الميزان، الصراط، الحوض.
لكن اجتهاد بعض العلماء، وإذا سمحوا لنا أن نأخذ ترابهم على رءوسنا فيكون تواضعاً منهم كبيراً، كـ ابن القيم وتلاميذ أبي حنيفة، لهم رأي أن الحوض قبل الصراط.
ولكننا نحن مع ترتيب الحديث؛ لأن الحديث يفيد هذا الترتيب: يا أنس! تلقاني عند الميزان؛ لأنه عندما يخف الميزان، تتدخل شفاعة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
فإن لم تجدني عند الميزان تجدني عند الصراط، فالذي تزل قدمه أو تنزلق أو يقوم ويكبو تأتيه صلاته على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا، فيتقدم الحبيب ويأخذ بيده ويمر به.
فإن لم تجدني عند الميزان، تجدني عند الحوض أسقي المؤمنين، اللهم اسقنا بيد نبينا شربة لا نظمأ بعدها أبداً.