من سار في الدنيا على الصراط المستقيم سار سريعاً على الصراط يوم القيامة، فمثلاً: لو أن أم زوجتك رفعت سماعة التلفون وقالت لك كلمة غير طيبة، فمن السهولة بمكان أن ترد عليها، لكن من الصعب أن تتحمل جرعة غيظ، وأثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة جرعة غيظ يتجرعها المؤمن وهو قادر على إنفاذها، كما ورد في صحيح البخاري، فمن تجرع الغيظ في الدنيا وسكت وصبر ابتغاء مرضاة الله سقاه الله وأرواه من حوض الكوثر يوم القيامة، فثمرة الصبر لها حلاوة ما بعدها حلاوة.
كذلك لو أن شخصاً شتمك بأي شتيمة سواء كانت فيك أو ليست فيك فمن السهل أن ترد عليه، ومن الصعب أن تسكت، والأصعب أن تعفو، والأصعب والأصعب أن تدعو له بالهداية؛ ولذلك سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما رأى بطن عمه حمزة قد بقره المشركون ومثلوا به ففي ساعة الغضب البشري قال: (لأمثلن بدلاً منك بسبعين منهم) فلما رجع إلى المدينة، سمع النساء يبكين قتلاهن فقال: (أما حمزة فلا بواكي له) يعني: مات غريباً.
ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (ارحموا اثنين: اليتيم، والغريب، فلقد كنت في الصغر يتيماً وفي الكبر غريباً) قال: (أما حمزة فلا بواكي له، فقال الصحابة: ألا نجعل نساءنا يبكين عليه؟ قال: لا يبك أحد على حمزة كفاه أنه سيد الشهداء في الجنة يوم القيامة).
فنزل القرآن عليه عليه الصلاة والسلام: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:126 - 127] قال: صبرت يا رب.
وتدور الأيام ويأتي فتح مكة فيسمع سعد بن عبادة يقول: (اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، قال له: لا يا سعد اليوم يوم المرحمة) فيأمر القادة ألا يقاتلوا إلا إذا بدئوا بقتال، كل المجموعات التي دخلت من شعاب مكة لم تجد مقاومة إلا مجموعة خالد بن الوليد وهو داخل حدثت بينه وبين المشركين مناوشات وقتل خالد منهم سبعين.
ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة مطأطئ الرأس وهو يقول: ({وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81]).
إذاً: حفت الجنة بالمكاره، ومسألة السير على الصراط المستقيم مسألة صعبة، هذا زوج يبتلى بزوجة تنكر الجميل وتنكر المعروف وتنسى الخير، وأكثر المنزلقين والساقطين على الصراط يوم القيامة من النساء إلا المؤمنات.
إن الزوج المبتلى بزوجة سيئة إذا رأت حسنة كتمتها وإن رأت سيئة أذاعتها فالحل أن يدعو لها بالهداية، كذلك نفس القضية الزوجة المبتلاة بزوج منحرف والعياذ بالله فالحل أن تصبر وتتقي الله وتدعو له بالهداية.
وقف منصور بن عمار أحد تابعي التابعين على شاطئ دجلة ومعه بعض الناس فرأى شباباً يطبلون ويزمرون ويرقصون فقال له من كان معه: ادع عليهم يا إمام فإنهم شباب غير طيبين، فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم كما فرحتهم في الدنيا فرحهم في الآخرة، قالوا: يا إمام نقول لك ادع عليهم ثم أنت تدعو لهم، قال: إن فرحهم في الآخرة فقد تاب عليهم في الدنيا.
إذاً: فالسير على الصراط المستقيم يقتضي صبراً؛ فمن سار على الصراط المستقيم في الدنيا سار على الصراط المستقيم سريعاً في الآخرة.