سيكون حديثنا اليوم عن أخطر حلقة في حلقات الدار الآخرة، اللهم هون علينا هذا الموقف يا رب العالمين، واجعلنا من الذين تثبتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، واجعلنا من الذين رضيت عنهم وعليهم في الدنيا والآخرة يا رب العالمين آمين يا رب، هذه الحلقة تخص الصراط، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم.
قبل أن نتحدث عن موضوع الصراط نأتي بمقدمة نقول فيها: هناك صراط في الدنيا الذي لا يستقيم عليه لا يمشي على صراط الآخرة، نحن نقرأ سبع عشرة مرة على الأقل كل يوم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] هذا في الفرض، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، قال تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] لأن الفاتحة أم الكتاب فيها الخير كله، وفيها معاني القرآن كلها.
هذا الصراط المستقيم، من الذي أنعم عليهم وعرفهم به سبحانه؟ قال داود: يا رب! من أحب العباد عندك؟ قال: من حببني إلى خلقي وحبب خلقي إلي، قال: يا رب وكيف يحببك إلى خلقك؟ قال: يذكرهم بنعمائي فيحبونني فأحبهم فأغفر لهم فأدخلهم الجنة.
يعني: يذكر الناس بنعم الله عليهم، حتى يكونوا في حالة من الرضا، بحيث لا يقنطون من رحمة الله.
وأسوء العباد من قنط الناس من رحمة الله، اللهم لا تقنطنا من رحمتك، يا رب أمنا من عذابك ولا تؤمنا من مكرك؛ لأنه لا يأمن مكر الله إلا كل خاسر وفاجر وكافر، وقد وضح لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما كان جالساً مع صحابته يوماً، قال أبو هريرة: خط الرسول خطين، وشعب خطوطاً، وقال: (هذا صراط الله المستقيم، وهذه طرق الشيطان على كل ناصية طريق يقف شيطان)، فالواحد عندما يبعد عن الصراط المستقيم يأخذه الشيطان الذي هو واقف على أول ناصية، وربنا مدح المتقين فقال: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201] أي: أن الشيطان يغشى البصر والبصيرة للعبد فلا يرى، لكن المؤمن إذا يمسه طائف من الشيطان يتذكر الله فينجلي بصره وتنجلي بصيرته، فيرى أن الله أقرب إليه من حبل الوريد فيتوب، لكن العبد الذي لا يعود إلى الله سريعاً يسلمه الشيطان إلى الشيطان الذي بعده، فإن رجع وتاب وإلا سلمه إلى الشيطان الثالث.
وهكذا.
أضرب لك مثلاً: رجل أتى من حلوان إلى مدينة أخرى يريد الجامع الذي فيه الدرس وهو متجه نحوه اتجاهاً صحيحاً، فلقيه شخص فسأله عن مكان الجامع فقال له: اذهب يميناً، فذهب يميناً فلقيه آخر فسأله عن الجامع فقال: اذهب شمالاً فيذهب شمالاً، فينظر نفسه قد ضاع، فطرق الشيطان مثل هذا.
كذلك الشيطان يزين بضاعته دائماً، ومعلوم لدينا أن الجنة حفت بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، فالنفس تحب أن تغني وترقص، والجنة طريقها محفوف بالمكاره، تأتي المسجد من الساعة التاسعة لكي تحجز المكان، وبعد ذلك تحمل أمانة العلم، وبعدها تعود إلى بيتك فتجد امرأتك متضايقة وأولادك يريدون أن يتفسحوا، كل هذه مكاره، فالعبور إلى رضوان الله كالعبور تماماً على الصراط، وطريق الله واحد قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام:153].
ذلكم الصراط المستقيم في الدنيا وصانا بسلوكه، قال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي).
إذاً: صراط الله مستقيم واضح في كتاب الله، وفي حجة الوداع قال صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس تركتكم على المحجة البيضاء) المحجة الطريق (ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).
فنحن جماعة المسلمين يسعنا جميعاً كتاب الله وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم، لا داعي للتفرق، المصيبة أن واحداً وثمانين لما اعتقلوا وكانوا من جماعات مختلفة، فكانوا يصلون صلاة الصبح خمس فرق، هؤلاء الذين من الفرقة الفلانية لا يصلون وراء الفرقة الفلانية، مع أنهم كلهم محبوسون على قضية واحدة وهي انتماؤهم للإسلام، والذي حبسهم يكره الإسلام ويكرههم؛ لأنهم يمثلون الإسلام، لكنهم يمثلون الإسلام بأسوأ صورة، يتفرقون وهم في السجن، هل هذا وقت للتفرق؟! كذلك الرعاة عندما يتشاكسون مع بعض ترى الذئب يخطف الغنم، وإذا اختلف أصحاب المحراب احتله أصحاب الحان والخمرة، وربما يقول لك: هذا الجامع جاء بفتن، إذاً أغلقوه.
قال الله تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:78] يعني: حين نقف أمام الله يوم القيامة ويسأل أحدنا هل أقول له: أنا صوفي، أنا أحمدي، أنا رفاعي، أم أنا مسلم؟! {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ} [الحج:78].
إذاً: المؤمن يعمل بكتاب الله وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم، أما أن يأتي الواحد وباسم الدين يضرب على الموسيقى، فهذا يعتبر من اللعب بدين الله تعالى، هناك قانون لكل شيء، فهذه الكرة لها قانون، واللاعب إذا لمس الكرة بيده في منطقة الجزاء إما أن يقول له الحكم: ضربة جزاء! أو يعطيه كرت إنذار، وهذا يأتي في دين الإسلام وينسب إليه ما ليس منه، نقول: أليس الدين أيضاً له قانون، وهذا القانون جاء من الكتاب والسنة.