وبعد ظهور الدابة تظهر العلامة الثالثة من علامات الساعة الكبرى ألا وهي الدخان، قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان:10]، أي: بدخان واضح، يظلل الناس فوق رءوسهم، فيكون على رأس المؤمن مثل قليل الزكام يقع عليه، وعلى رأس الكافر، والفاسق، والفاجر، والمنافق، كنيران تغلي فوق رءوسهم.
ولما حاصر المشركون الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات حتى أن سيدنا سعد بن أبي وقاص بعد ما هاجر إلى المدينة وحكى للصحابة الجدد عن هذا الحصار، فقال لهم: لا تتاجروا معهم ولا تطعوهم أكلاً ولا شرباً ولا تعملوا لهم خيراً قط.
وما انحاز مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بنو هاشم وبنو المطلب جميعاً مسلمهم وكافرهم ما عدا أبا لهب، فأقارب النبي صلى الله عليه سلم الكفار انحازوا معه في الشعب فحصل لهم قطيعة ومقاطعة ما عدا أبا لهب عمه.
فسيدنا سعد يحكي عن هذه المقاطعة فيقول: كنا نأكل مع الرسول صلى الله عليه وسلم خرط القتاد، والقتاد نوع من الشجر له شوك ينبت في الصحراء في جزيرة العرب، فكنا ندقه ونأكله من شدة الجوع، وبينما أنا أسير ليلاً إذ وقعت رجلي على شيء رطب فوضعته في فمي فابتلعها فوالله! ما أدري إلى اليوم ما الذي ابتلعته.
وكانت صحيفة المقاطعة معلقة على جدار الكعبة بجوار الحجر الأسود ومكتوب أولها (باسمك اللهم) ثم أكلت الأرضة بنود المقاطعة وما تركت فيها إلا باسمك اللهم، فلما انتهت القطيعة دعا عليهم الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف)، فحصل قحط في قريش وتوقفت التجارة، واستجيبت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه كان يحصل لأغنياء قريش وفقرائها دوخة من قلة الطعام والزاد، فذهب أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا محمد! أسألك بالله وبالرحم أن تدعو الله أن يفك عنا ما نحن فيه.
ولما نقضت قريش العهد الذي جرى بين المسلمين والكافرين في الحديبية، أيقنت قريش بالخزي والعار والهلاك فأرسلت زعيمها ورئيسها أبو سفيان لكي يحاول أن يمد في بنود معاهدة صلح الحديبية مرة ثانية، فاستجار بـ أبي بكر فقال له: يا أبا سفيان! أنا لا أجير على رسول الله أحداً أبداً، ثم ذهب إلى عمر فرد عليه بمثلما رد عليه أبو بكر، وذهب لسيدنا علي فرفضه كذلك، ثم ذهب إلى ابنته أم حبيبة وزوجة سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم وهي أم المؤمنين السيدة رملة بنت أبي سفيان، فدق عليها الباب ففتحت له، فرأت أباها زعيم قريش، فدخل البيت فأراد أن يقعد على فراش سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فطوته من تحته، وقالت له: هذا فراش النبي صلى الله عليه وسلم وأنت رجل نجس، فقال لها: لقد أصابك سوء من بعدي يا أم حبيبة! وقال بعض العلماء إن الدخان في قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان:10]، هو الدخان الذي حصل لقريش، ولكن بعض العلماء قالوا: إن هذه الآية مدنية ونزلت في المدينة فيبقى إذاً أن الدخان علامة من علامات الساعة الكبرى.