العلامة الثانية: أن تلد الأمة ربتها، روي في الحديث الصحيح: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، ليس عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد منا، ووضع ركبتيه إلى ركبتي رسول الله وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ قال: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إلى ذلك سبيلاً، قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه.
ثم قال: أخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت.
قال: أخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: أخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل)، يعني: أنا وأنت في عدم المعرفة سواء، ثم قال له: (أخبرني عن أماراتها) يعني: علامات الساعة.
قال له: (أن تلد الأمة ربتها)، هذه ثاني علامة، يعني: الأم بعد ما كانت هي المطاعة في البيت، تأتي بنتها فتحكم عليها وتنكد على أمها، وهذا حاصل وواقع.
ثم قال: (وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) من قبل ترى القصر ويقال لك: هذا قصر فلان باشا، أما الآن فترى القصر فيقال لك: هو ملك فلان السباك، أو الزبال.
كذلك قبل ستين سنة تقريباً في المملكة والحجاز ودول الخليج ترى الرجل يسكن في خيمة وأرجله مشققة من الصحراء، يمشي حافياً، وإن بنى له حاجة كانت عبارة عن عشة مثل الكوخ، لكن الآن اذهب إلى الرياض أو جدة، وانظر، تقول: نحن في باريس، تجد الحفاة العراة قد تطاولوا في البنيان.
فمن نسي نعمة الله عليه ولم يؤد شكرها نزعها الله منه فأعطاها لمن يستحق، وقد كان المصريون سادات العالم منذ آلاف السنين، فوصل بهم الحال اليوم إلى أن استدانوا، وسوف يأتي يوم من الأيام وتنقلب الأمور وتتعدل، إذا اتقى المصريون ربهم، فتعاد موازين القوى مرة أخرى، ويأخذ المال من يحسن إدارة المال.
وسمي المال مالاً؛ لأنه مال بالناس عن الحق، ولو أن أهل الخليج وأهل الحجاز أخرجوا زكاة أموالهم كما أمر الله عز وجل إلى فقراء المسلمين في أنحاء العالم؛ لما ظل مسلم فقيراً أبداً في الدولة المسلمة؛ لأن الله جعل قوت الفقير في مال الغني، فما جاع فقير إلا بتخمة غني.
قوله: (أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: ثم غادرنا، قال: أتدرون من هذا؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم).
يعني: هذا جبريل سألني هذه الأسئلة لأجل أن تتعلموا أمر الدين، هكذا قال المعصوم صلى الله عليه وسلم.