لذّة ولا نعيم ولا فلاح ولا حياة إلا بها، وإذا فقدها القلب كان ألمه أعظم من ألم العين إذا فقدت نورها، والأذنِ إذا فقدت سمعها، والأنفِ إذا فقد شمّه، واللسانِ إذا فقد نطقَه؟ بل فسادُ القلب إذا خلا من محبة فاطره وبارئه وإلهه الحقّ أعظمُ من فساد البدن (?) إذا خلا من الروح. وهذا أمر
لا يصدّق به إلا من فيه حياة، و"ما لجرع بيِّت إيلامُ" (?)!
والمقصود أنّ أعظم لذّات الدنيا هو السبب الموصل إلى أعظم لذّة في الآخرة.
ولذّات الدنيا ثلاثة أنواع:
فأعظمها وأكملها: ما أوصل إلى لذة الآخرة. ويثاب الإنسان على هذه اللذة أتمّ ثواب. ولهذا كان المؤمن يثاب على ما يقصد به وجهَ الله من أكله وشربه ولبسه ونكاحه، وشفاء غيظه بقهر (?) عدو الله وعدوّه، فكيف بلذة إيمانه ومعرفته بالله، ومحبته له (?)، وشوقه إلى لقائه، وطمعه في رؤية وجهه الكريم في جنات النعيم؟
النوع الثاني: لذة تمنع لذة الآخرة، وتُعقِب آلامًا أعظمَ منها، كلذّة الذين اتخذوا من دون الله أوثانًا مودةَ بينهم في الحياة الدنيا، يحبّونهم كحبّ الله، ويستمتعون بعضهم ببعض، كما يقولون في الآخرة إذا لقُوا ربهم: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ [121/أ] لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ