والمنبر إذ سمعت أنينًا، فأصغيت إليه، فإذا هو يقول:
أَشْجاكَ نَوحُ حمائم السِّدْرِ ... فأهَجْنَ منك بلابلَ الصَّدْرِ
أم عزّ نومَك ذكرُ غانيةٍ ... أهدَتْ إليك وساوسَ الفكْرِ (?)
يا ليلةً طالت على دَنِفٍ ... يشكو السُّهادَ وقلّةَ الصبرِ
أسلمتِ مَن يهوَى لحرِّ جوىً ... متوقِّدٍ كتوقُّدِ الجَمْرِ (?)
فالبدرُ يشهد أنّني كلِفٌ ... مُغْرىً بحبِّ شبيهةِ البدرِ
[115/ أ] ما كنت أحسبني أهيم بها ... حتّى بُليتُ وكنتُ لا أدري
ثم انقطع الصوت، فلم أدر من أين جاء، وإذا به قد أعاد البكاء والأنين، ثم أنشد:
أشجاك من ريَا خيالٌ زائرُ ... والليلُ مسوَدُّ الذوائبِ عاكِرُ (?)
واعتاد مهجتك الهوى برَسِيسِه ... واهتاجَ مقلتك الخيالُ الزائرُ (?)
ناديتُ ريَّا والظلامُ كأنّه ... يمٌّ تلاطَمَ فيه موجٌ زاخرُ
والبدرُ يسري في السماء كانّه ... ملِكٌ ترجَّلَ والنجومُ عساكِرُ
وترى به الجوزاءَ ترقصُ في الدُّجى ... رقصَ الحبيبِ علاه سُكْرٌ ظاهرُ (?)