بالنسبة إلى الجراءة على الله سبحانه ومعصيته ومخالفة أمره كبائر، فالنظر إلى من عُصيَ أمره وانتهكت محارمه يوجب أن تكون الذنوب كلّها كبائر، وهي مستوية في هذه المفسدة.
قالوا: ويوضِّح هذا أنّ الله سبحانه لا تضرّه الذنوب ولا يتأثّر بها، فلا يكون بعضها بالنسبة إليه أكبر من بعض، فلم يبق إلا مجرد معصيته ومخالفته، ولا فرق في ذلك بين ذنب وذنب.
قالوا: ويدلّ عليه أن مفسدة الذنوب إنما هي متابعة للجراءة والتوثّب على حقّ الربّ تعالى. ولهذا لو شرب رجلٌ خمرًا أو وطئ فرجًا حرامًا وهو لا يعتقد تحريمه لكان قد جمع بين الجهل وبيّن مفسدة ارتكاب الحرام. ولو فعل ذلك من يعتقد تحريمه لكان آتيًا بإحدى المفسدتين، وهو الذي يستحق العقوبة دون الأول. فدلّ على أن مفسدة الذنب متابعة للجراءة والتوثب.
قالوا: ويدلّ على هذا أن المعصية تتضمّن الاستهانةَ بأمر المطاع ونهيه، وانتهاكَ حرمته. وهذا لا فرق فيه بين ذنب وذنب.
قالوا: فلا ينظر العبد إلى كبر الذنب وصغره في نفسه، ولكن ينظر إلى قَدْر مَن عصاه وعظمته، وانتهاك حرمته بالمعصية. وهذا لا يفترق فيه الحال بين معصية ومعصية، فإنّ ملِكًا مُطاعًا عظيمًا (?) لو أمر أحدَ مملوكيه أن يذهب في مهمّ له إلى بلد بعيد، وأمر اَخرَ أن يذهب في شغلٍ له إلى جانب الدار، فعصَياه وخالفا أمره، لكانا في مقته والسقوط من عينه سواءً.