القرار، فهؤلاء في نعيم، وهؤلاء في جحيم. وهل النعيم إلا نعيم القلب؟ وهل العذاب إلا عذاب القلب؟
وأيّ عذاب أشدّ من الخوف، والهمّ، والحزن، وضيق الصدر، وإعراضه عن الله والدار الآخرة، وتعلّقه بغير الله، وانقطاعه عن الله، بكلِّ وادٍ منه شعبة؟ وكلّ شيء (?) تعلّق به وأحبّه من دون الله فإنّه يسومه سوءَ العذاب.
فكلّ من أحبّ شيئًا (?) غيرَ الله عُذِّبَ به (?) ثلاث مرّات في هذه الدار: فهو يعذَّب به قبل حصوله حتى يحصل. فإذا حصل عُذِّبَ به حالَ حصوله بالخوف من سلبه وفواته، والتنغيص والتنكيد عليه، وأنواع المعارضات. فإذا سُلِبَه اشتدّ عذابُه عليه (?). فهذه ثلاثة أنواع من العذاب في هذه الدار.
وأما في البرزخ، فعذابٌ يقارنه ألمُ الفراق الذي لا يرجو (?) عودَه، وألمُ فَواتِ ما فاته من النعيم العظيم باشتغاله بضدّه، وألمُ الحجاب عن الله، وألمُ الحسرة التي تقطع الأكباد. فالهم والغم والحسرة والحَزن تعمل في نفوسهم نظيرَ ما تعمل الهوامّ والديدان في أبدانهم، بل عملها في النفوس دائم مستمرّ حتى يردّها الله إلى أجسادها، فحينئذ ينتقل العذاب إلى نوع هو أدهى وأمرّ.