كما أنّ هذه المعاصي من آثار تلك الجرائم. فتناسبت حكمة الله (?) وحكمه الكوني أولًا وآخرًا، وكان العظيم من العقوبة للعظيم من الجناية، والأخف للأخف. وهكذا يحكم سبحانه بين خلقه في دار
البرز ودار الجزاء.
وتافلْ مقارنةَ الشيطان [31/ ب] ومحلَّه ودارَه، فإنّه لما قارن (?) العبدَ واستولى عليه، نُزِعَت البركةُ من عمره، وعمله، وقوله، ورزقه. ولمّا أثرت طاعتُه في الأرض ما أثّرت نُزِعَت البركةُ من كلّ محلّ ظهرت فيه طاعته. وكذلك مسكنه لما كان الجحيم لم يكن هناك شيء من الرَّوح والرّحمة والبركة.
فصل
ومن عقوبات الذنوب: أنّها تطفئ من القلب نارَ المغيرة التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن. فالغيرة حرارته وناره التي تُخرج ما فيه من الخَبَث والصفات المذمومة، كما يُخرج الكِيرُ خَبَث الذهب والفضة والحديد. وأشرف الناس وأعلاهم همّةً أشدُّهم (?) غيرة على نفسه، وخاصته، وعموم الناس.
ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أغيرَ الخلق على الأمة، والله سبحانه أشدّ غيرةً منه، كما ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغيَرُ منه، والله أغيَرُ منّي" (?).