بالفضيلة، والفضيلة لَا تتَحَقَّق إِلَّا بِالدّينِ، وَلَا يُوجد دين يتَّفق مَعَ الْعلم والمدنية إِلَّا الْإِسْلَام، وَإِنَّمَا عاشت المدنية الغربية هَذِه الْقُرُون بِمَا كَانَ فِيهَا من التوازن بَين بقايا الْفَضَائِل المسيحية، مَعَ التَّنَازُع بَين الْعلم الاستقلالي والتعاليم الكنسية، فَإِن الْأُمَم لَا تنسل من فَضَائِل دينهَا، بِمُجَرَّد طروء الشَّك فِي عقائده على أذهان الْأَفْرَاد وَالْجَمَاعَات مِنْهَا، وَإِنَّمَا يكون ذَلِك بالتدريج فِي عدَّة أجيال، وَقد انْتهى التَّنَازُع بفقد ذَلِك التوازن، وَأصْبح الدّين والحضارة على خطر الزَّوَال، واشتدت حَاجَة الْبشر إِلَى إصْلَاح روحي مدنِي ثَابت الْأَركان، يَزُول بِهِ استعباد الأقوياء للضعفاء، واستذلال الْأَغْنِيَاء للْفُقَرَاء، وخطر البلشفية على الْأَغْنِيَاء، وَيبْطل بِهِ امتياز الْأَجْنَاس، لتتحقق الْأُخوة الْعَامَّة بَين النَّاس، وَلنْ يكون ذَلِك إِلَّا بحكومة الْإِسْلَام، الَّتِي بيناها بالإجمال فِي هَذَا الْكتاب، وَنحن مستعدون للمساعدة على تفصيلها، إِذا وفْق الله للْعَمَل بهَا. .
أَيهَا الشّعب التركي الباسل: إِنَّك الْيَوْم أقدر الشعوب الإسلامية على أَن تحقق للبشر هَذِه الأمنية، فاغتنم هَذِه الفرصة لتأسيس مجد إنساني خَالِد، لَا يذكر مَعَه مجدك الْحَرْبِيّ التالد، وَلَا يجرمنك المتفرنجون على تَقْلِيد الإفرنج فِي سيرتهم، وَأَنت أهل لِأَن تكون إِمَامًا لَهُم بمدنية خير من مدنيتهم، وَمَا ثمَّ إِلَّا المدنية الإسلامية، الثَّابِتَة قواعدها المعقولة على أساس العقيدة الدِّينِيَّة، فَلَا تزلزلها النظريات الَّتِي تعبث بالعمران، وتفسد نظم الْحَيَاة الاجتماعية على النَّاس. .
أَيهَا الشّعب التركي المتروي: انهض بتجديد حُكُومَة الْخلَافَة الإسلامية، بِقصد الْجمع بَين هِدَايَة الدّين والحضارة لخدمة الإنسانية، لَا لتأسيس عصبية إسلامية تهدد الدول الغربية، فَإِن فعلت ذَلِك وَأثبت إخلاصك وَصِحَّة نيتك فِيهِ، فَإنَّك تَجِد من عُلَمَاء الإفرنج وفضلائهم وأحرارهم من يشد أزرك، وَيرْفَع ذكرك، وَيدْفَع عَنْك تهم الساسة المفترين، وإغراء الطامعين المغررين. .
أَيهَا الشّعب التركي الْعَاقِل: إِنَّنِي أهدي إِلَيْك هَذِه المباحث الَّتِي كتبتها فِي بَيَان حَقِيقَة الْخلَافَة وأحكامها، وَشَيْء من تَارِيخه وعلو مكانتها، وَبَيَان حَاجَة جَمِيع الْبشر إِلَيْهَا، وَجِنَايَة الْمُسلمين على أنفسهم بِسوء التَّصَرُّف فِيهَا، وَالْخُرُوج بهَا عَن موضوعها، وَمَا يعْتَرض الْآن فِي سَبِيل إحيائها، مَعَ بَيَان الْمخْرج مِنْهَا، بِمَا أشرع السَّبِيل، وأنار الدَّلِيل، بمقال وسط بَين الْإِجْمَال وَالتَّفْصِيل، جَامع لآراء العارفين