ابْن أبي شيبَة من طَرِيق أَزْهَر بن عبد الله عَن عبَادَة رَفعه " سَيكون عَلَيْكُم أُمَرَاء يأمرونكم بِمَا لَا تعرفُون ويفعلون مَا تنكرون فَلَيْسَ لأولئك عَلَيْهِم طَاعَة ".
وَقَالَ فِي شرح قَوْله: " عنْدكُمْ من الله فِيهِ برهَان " أَي من نَص آيَة أَو خبر صَحِيح لَا يحْتَمل التَّأْوِيل، وَمُقْتَضَاهُ أَنه لَا يجوز الْخُرُوج عَلَيْهِم مَا دَامَ فعلهم يحْتَمل التَّأْوِيل. قَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد بالْكفْر هُنَا الْمعْصِيَة وَمعنى الحَدِيث لَا تنازعوا وُلَاة الْأُمُور فِي ولايتهم وَلَا تعترضوا عَلَيْهِم إِلَّا أَن تروا مِنْهُم مُنْكرا محققا تعلمونه من قَوَاعِد الْإِسْلَام فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فأنكروا عَلَيْهِم وَقُولُوا بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنْتُم. وَقَالَ غَيره المُرَاد بالإثم هُنَا الْمعْصِيَة وَالْكفْر فَلَا يعْتَرض على السُّلْطَان إِلَّا إِذا وَقع فِي الْكفْر الظَّاهِر. . وَالَّذِي يظْهر حمل رِوَايَة الْكفْر على مَا إِذا كَانَت الْمُنَازعَة فِي الْولَايَة فَلَا ينازعه بِمَا يقْدَح فِي الْولَايَة إِلَّا إِذا ارْتكب الْكفْر، وَحمل رِوَايَة الْمعْصِيَة على مَا إِذا كَانَت الْمُنَازعَة فِيمَا عدا الْولَايَة فَإِذا لم يقْدَح فِي الْولَايَة نازعه فِي الْمعْصِيَة بِأَن يُنكر عَلَيْهِ بِرِفْق، ويتوصل إِلَى تثبيت الْحق لَهُ بِغَيْر عنف، وَمحل ذَلِك إِذا كَانَ قَادِرًا وَالله أعلم، وَنقل ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ قَالَ: الَّذِي عَلَيْهِ الْعلمَاء فِي أُمَرَاء الْجور أَنه إِذا قدر على خلعه بِغَيْر فتْنَة وَلَا ظلم وَجب وَإِلَّا فَالْوَاجِب الصَّبْر. . وَعَن بَعضهم لَا يجوز عقد الْولَايَة لفَاسِق ابْتِدَاء، فَإِن أحدث جوراً بعد أَن كَانَ عدلا فَاخْتَلَفُوا فِي جَوَاز الْخُرُوج عَلَيْهِ وَالصَّحِيح الْمَنْع إِلَّا أَن يكفر فَيجب الْخُرُوج عَلَيْهِ. .
وَقد تقدم التَّحْقِيق فِي الْمَسْأَلَة ونصوص الْمُحَقِّقين فِيهَا وَمُلَخَّصه أَن أهل الْحل وَالْعقد يجب عَلَيْهِم مقاومة الظُّلم والجور وَالْإِنْكَار على أَهله بِالْفِعْلِ، وَإِزَالَة سلطانهم الجائر وَلَو بِالْقِتَالِ إِذا ثَبت عِنْدهم أَن الْمصلحَة فِي ذَلِك هِيَ الراجحة والمفسدة هِيَ المرجوجة، وَمِنْه إِزَالَة شكل السلطة الشخصية الاستبدادية، كإزالة التّرْك لسلطة آل عُثْمَان مِنْهُم، فقد كَانُوا على ادعائهم الْخلَافَة الإسلامية جائزين جارين فِي أَكثر أحكامهم على مايسمى فِي عُرْفِ أهل هَذَا الْعَصْر بالملكية الْمُطلقَة، فَلذَلِك بَدَأَ التّرْك بتقييدهم بالقانون الأساسي تقليدا لأمم أوربة، وَسبب ذَلِك جهل الَّذين قَامُوا بِهَذَا الْأَمر بِأَحْكَام الشَّرْع الإسلامي (كمدحت باشا وإخوانه) ثمَّ قَامَ الكماليون أخيرا بِإِسْقَاط هَذِه الدولة ورفض السلطة الشخصية بجملتها وتفصيلها. .