مسئول عَن رَعيته، فالإمام رَاع وَهُوَ مسئول عَن رَعيته، وَالرجل رَاع فِي أَهله وَهُوَ مسئول عَن رَعيته، وَالْمَرْأَة راعية فِي بَيت زَوجهَا وَهِي مسئولة عَن رعيتها " الخ (مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عمر) وَكَانَ الْمُسلمُونَ يراجعون الْخُلَفَاء الرَّاشِدين ويردون عَلَيْهِم أَقْوَالهم وآراءهم فيرجعون إِلَى الصَّوَاب إِذا ظهر لَهُم أَنهم كَانُوا مخطئين، حَتَّى إِن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ خطأته امْرَأَة فِي مَسْأَلَة فَقَالَ على الْمِنْبَر: امْرَأَة أَصَابَت وَأَخْطَأ عمر. . أَو وَرجل أَخطَأ. .
غفل الْمُسلمُونَ عَن هَذَا فتركوا الْخلَافَة لأهل العصبية يتصرفون فِيهَا تصرف الْمُلُوك الْوَارِثين الَّذين كَانُوا يَزْعمُونَ أَن الله فَضلهمْ على سَائِر الْبشر لذواتهم ولبيوتهم وَأوجب طاعتهم والخضوع لَهُم فِي كل شَيْء، فَلم يُوجد فِي أهل الْحل وَالْعقد من الرؤساء من اهْتَدَى إِلَى وضع نظام شَرْعِي للخلافة بِالْمَعْنَى الَّذِي يُسمى فِي هَذَا الْعَصْر بالقانون الأساسي، يقيدون بِهِ سلطة الْخَلِيفَة بنصوص الشَّرْع، ومشاورتهم فِي الْأَمر، كَمَا وضعُوا الْكتب الطوَال للْأَحْكَام الَّتِي يجب الْعَمَل بهَا فِي السياسة والإدارة والجباية وَالْقَضَاء وَالْحَرب، وَلَو وضعُوا كتابا فِي ذَلِك معززا بأدلة الْكتاب وَالسّنة وسيرة الرَّاشِدين، وَمنعُوا فِيهِ ولَايَة الْعَهْد للوارثين، وقيدوا اخْتِيَار الْخَلِيفَة بالشورى، وبينوا أَن السلطة للْأمة يقوم بهَا أهل الْحل وَالْعقد مِنْهَا، وَجعلُوا ذَلِك أصولا متبعة - لما وقعنا فِيمَا وقعنا فِيهِ. .
فَأَما الراشدون رَضِي الله عَنْهُم فقد كَانُوا واثقين بتحريهم للحق وَالْعدْل ويصرحون بسلطة الْأمة عَلَيْهِم وهم واقفون فِي موقف الرَّسُول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من منبره كَمَا قَالَ أَبُو بكر " وُليِّت عَلَيْكُم وَلست بِخَيْرِكُمْ فَإِذا اسْتَقَمْت فَأَعِينُونِي، وَإِذا زِغْت فقوموني ". وكما قَالَ عمر " من رأى مِنْكُم فيّ اعوجاجا فليقومه "، وكما قَالَ عُثْمَان: " أَمْرِي لأمركم تبع ". وأقوال عَليّ وأعماله بالشورى مَعْرُوفَة على اضْطِرَاب الْأَمر وَظُهُور الْفِتَن فِي زَمَنه، وَمَوْت كثير من كبراء أهل الْعلم وتفرق بَعضهم، ثمَّ إِنَّهُم لم يَكُونُوا قد دخلُوا فِي عهد التصنيف وَوضع النّظم والقوانين، وَلَا شعروا بِشدَّة الْحَاجة إِلَى ذَلِك لِكَثْرَة الصّلاح وخضوع الْأمة لوازع الدّين. .
وَمَا جَاءَ عصر التَّأْلِيف والتدوين إِلَّا وَكَانَت الْخلَافَة قد انقلبت إِلَى طبيعة الْملك بالبدعتين الكبريين اللَّتَيْنِ ابتدعهما مُعَاوِيَة، وهما جعل الْأَمر تَابعا لقُوَّة العصبية،