مَا كل من يتَكَلَّم فِي الْإِسْلَام وشريعته من الإفرنج يتَكَلَّم عَن علم صَحِيح، وَمَا كل من لَدَيْهِ علم يَقُول مَا يعْتَقد، فَإِن مِنْهُم من تنطقه السياسة بِمَا تريه من مصلحَة دولته، وَمِنْهُم المتعصب الَّذِي لَا يبْحَث عَن شئ من أَمر الْإِسْلَام إِلَّا مَا يُمكن الطعْن فِيهِ لتشكيك الْمُسلمين فِي دينهم أَو لتحريض أعدائهم عَلَيْهِم. . وَقد وجد فيهم من قَالَ الْحق فِي الْإِسْلَام وشريعته فِي أَحْوَال اقْتَضَت ذَلِك. .
من هَؤُلَاءِ لورد كرومر الَّذِي طعن الشَّرِيعَة تِلْكَ الطعنة النجلاء الَّتِي أَقَامَت مصر وأقعدتها، وَقد اضْطر إِلَى إنصافها وَتَقْيِيد مَا أطلقهُ من الطعْن فِيهَا. بِمَا لَا يُنكره أحد من عقلاء الْمُسلمين كَمَا انصفها بِكَلِمَة قَالَهَا مرّة للأستاذ الإِمَام ونشرنا هَذَا وَذَاكَ فِي مُجَلد الْمنَار الْعَاشِر إِذْ كَانَ هُوَ بِمصْر، فقد قلت فِي سِيَاق الرَّد على طعنته: إِن الْأُسْتَاذ الإِمَام رَحمَه الله تَعَالَى حَدثنِي أَنه كَانَ يكلمهُ مرّة فِي مَسْأَلَة إصْلَاح المحاكم الشَّرْعِيَّة فِي إبان اهتمام الشّعب والحكومة بهَا وَاعْتِرَاض بعض الْعلمَاء على إصلاحها، فَأَقَامَ لَهُ الدَّلَائِل على أَن الْإِسْلَام يَدْعُو إِلَى كل إصْلَاح، ويناسب كل زمَان، فَقَالَ لَهُ اللورد مَا تَرْجَمته:
" أَتصدق يَا أستاذ أنني اعْتقد أَن دينا أوجد مَدَنِيَّة جَدِيدَة وَقَامَت بِهِ دوَل عَظِيمَة لَا يكون أساسه الْعدْل؟ هَذَا محَال، ولكنني أعلم أَن هَذِه المقاومات (أَي لإِصْلَاح المحاكم) أُمُور (اكليركية) " أَي تقاليد لرجل الدّين الإسلامي كتقاليد الْكَنِيسَة عِنْد النَّصَارَى.
هَذِه الْكَلِمَة حَملتنِي على إرْسَال كتاب إِلَى اللورد هَذَا نَصه:
الْقَاهِرَة فِي 20 ربيع الأول سنة 1325
كتاب من صَاحب الْمنَار للورد كرومر
جناب اللورد الْعَظِيم