(الأول) أَن تؤسس حُكُومَة إسلامية، خَالِيَة من التقاليد والقوانين الإفرنجية، إِلَّا مَا كَانَ من النظام الَّذِي يتَّفق مَعَ الشَّرْع وَلَا يخْتَلف باخْتلَاف الأقوام، وَتُعْطِي مقَام الْخلَافَة حَقه من إحْيَاء دَعْوَة الْإِسْلَام، وَإِقَامَة الْحُدُود وحرية أهل الْأَدْيَان، وَلَا يعجزها حِينَئِذٍ أَن ترْضى غير الْمُسلمين من رعاياها الَّذين لَيْسَ لَهُم أهواء سياسية، وَلَا ضلع مَعَ الدول الْأَجْنَبِيَّة، بل يكون إرضاؤهم أسهل عَلَيْهَا مِنْهُ الْآن إِن شاءته، وَلَو كَانَ لي رَجَاء فِي إصغائها إِلَى هَذَا الرَّأْي، أَو جعله مَحل النّظر والبحث، لبينت ذَلِك بالتفصيل، ولأوردت مَا أعلمهُ من المشكلات والعقبات الَّتِي تعترض فِي طَرِيق تنفيذه من داخلية وخارجية مَعَ بَيَان الْمخْرج مِنْهَا، ثمَّ مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من تَجْدِيد حَيَاة الدولة وَكَونه هُوَ المنجي لَهَا من الْخطر، وَإِن ترَاءى لكثير من النَّاس أَنه هُوَ المسرع بالخطر، ظنا مِنْهُم أَن أوروبة تعجل بالإجهاز على الدولة إِذا علمت أَنَّهَا شرعت بنهضة إسلامية لعلمها بِأَن هَذِه هِيَ حَيَاتهَا الْحَقِيقِيَّة، وَكَون حَيَاتهَا بِهَذَا هُوَ مَا يُصَرح بِهِ بعض أَحْرَار الأوروبيين وَإِن خُوّفِ مِنْهُ بالتمويه والإبهام أَكثر السياسيين. .
(الثَّانِي) أَن تدع كل ماعدا الْأُمُور الرسمية الْمَعْهُودَة لَدَيْهَا من أُمُور الدّين إِلَى الجمعيات الدِّينِيَّة الْحرَّة، والأفراد الَّذين يدفعهم استعدادهم إِلَى هَذِه الْخدمَة، وَلها أَن تساعد مَا يسْتَحق المساعدة من هَذِه الْأَعْمَال بالحماية، وَكَذَا بالإعانة الْمَالِيَّة من أوقاف المسملين الْخَيْرِيَّة (إِذا كَانَت تُرِيدُ بَقَاء الْأَوْقَاف الْعَامَّة فِي يَدهَا وَلَا تجب طلاب الْإِصْلَاح إِلَى جعل أوقاف كل ولَايَة فِي أَيدي أَهلهَا) مَعَ بَقَائِهَا بمعزل عَن السياسة وَأَهْلهَا. . وَلَوْلَا أَن هَذَا هُوَ رَأْيِي لما اشْترطت على رجال الدولة وجميعة الِاتِّحَاد إِذْ عرضت عَلَيْهِم مَشْرُوع الدعْوَة والإرشاد أَن يكون فِي يَد جمَاعَة حرَّة، لَا علاقَة لَهَا بالسياسة، وَألا تخصص لَهَا إِعَانَة من خزينة الدولة، بل تكون نفقاتها مِمَّا تجمعه هِيَ من الإعانات بأنواعها وَمِمَّا تعطاه من أوقاف الْمُسلمين الْخَيْرِيَّة. . فستذكرون مَا أَقُول لكم وأفوض أَمْرِي إِلَى الله، إِن الله بَصِير بالعباد) . .
هَذَا مَا كتبناه فِي ذَلِك الْوَقْت، وَقد شرحنا آراء الإفرنج فِي الجامعة الإسلامية وَمَا فِيهَا من الأوهام وَمَا يَنْبَغِي للْمُسلمين مرَارًا فِي مجلدات الْمنَار. .