فمما تقدّم تبيّن أن مذهب الشافعيّة هو جواز استعانة المسلمين بالكفار؛ لكن بشرط أن يأمن المسلمون هؤلاء الكفار من حيث حسن النيّة وعدم الخيانة، وأن يكون عدد المسلمين كثيراً، واشترط بعضهم مخالفة معتقد العدو المحارَب كاليهود مع النصارى.
ــــــــــ
رابعاً: مذهب الحنابلة:
اختلفت الرواية عن الإمام أحمد في جواز الاستعانة بغير المسلمين في القتال.
قال ابن قدامة:"وَلَا يُسْتَعَانُ بِمُشْرِكٍ. وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْجُوزَجَانِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ .. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَنْ يُسْتَعَانُ بِهِ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِمْ، لَمْ تُجْزِئْهُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ؛ لِأَنَّنَا إذَا مَنَعْنَا الِاسْتِعَانَةَ بِمَنْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِثْلَ الْمُخَذِّلِ وَالْمُرْجِفِ، فَالْكَافِرُ أَوْلَى." (?)
وقدّم صاحب المحرر رواية التحريم الاستعانة فقال:"ولا يستعين بالمشركين إلا لضرورة، وعنه: إن قوي جيشه عليهم وعلى العدو لو كانوا معه، ولهم حسن رأي في الإسلام، جاز، وإلا فلا " (?)
وقال المرداوي:"قَوْلُهُ (وَلَا يَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ).هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَعْنِي قَوْلَهُ "إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ "مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْبُلْغَةِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ مَعَ حُسْنِ رَأْيٍ فِينَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ. زَادَ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إنْ قَوِيَ جَيْشُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْعَدُوِّ، لَوْ كَانُوا مَعَهُ." (?)
فمن هذا يُعلم أن الرواية المقدّمة في مذهب الحنابلة هي حرمة الاستعانة بغير المسلمين إلا للضرورة، وقد مثّل فقهاء الحنابلة للضرورة التي يجوز معها الاستعانة بكون عدد الكفار