مَعْنَاهُ وَرَدِّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَأَكْلِهِمْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا أَمْكَنَهُمْ لِخِيَانَتِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ حِلِّهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ إذَا مُنِعَ مِنْ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فِي الْجِهَادِ مَعَ حُسْنِ رَأْيِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْأَمْنِ مِنْهُمْ وَقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمَجْمُوعِ لَا سِيَّمَا مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ عَلَى قَوْلٍ فَهَذَا فِي مَعْنَاهُ وَأَوْلَى لِلُزُومِهِ وَإِفْضَائِهِ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِخِلَافِ هَذَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ التَّحْرِيمُ هُنَا وَإِنْ لَمْ تَحْرُمْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا الْكُفَّارَ بِطَانَةً لَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران:118].

وَبِطَانَةُ الرَّجُلِ تَشْبِيهُهُ بِبِطَانَةِ الثَّوْبِ الَّذِي يَلِي بَطْنَهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَنْبِطُونَ أَمْرَهُ وَيَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، وَقَوْلُهُ {مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران:118] أَيْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا} [آل عمران:118] أَيْ لَا يُبْقُونَ غَايَةً فِي إلْقَائِكُمْ فِيمَا يَضُرُّكُمْ وَالْخَبَالُ الشَّرُّ وَالْفَسَادُ {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران:118] أَيْ يَوَدُّونَ مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ مِنْ الضُّرِّ وَالشَّرِّ وَالْهَلَاكِ، وَالْعَنَتِ الْمَشَقَّةِ يُقَالُ فُلَانٌ يُعْنِتُ فُلَانًا أَيْ يَقْصِدُ إدْخَالَ الْمَشَقَّةِ وَالْأَذَى عَلَيْهِ.

{قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [آل عمران:118] قِيلَ بِالشَّتْمِ وَالْوَقِيعَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَمُخَالِفَةِ دِينِكُمْ، وَقِيلَ بِاطِّلَاعِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَسْرَارِ الْمُؤْمِنِينَ {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118] أَيْ أَعْظَمُ {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:118] قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ [الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ] فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعِمَالَاتِ وَالْكَتَبَةِ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَسْتَعِينُ الْإِمَامُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا فِي اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَحَلُّ وِفَاقٍ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ سَأَلَهُ يُسْتَعْمَلُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فِي أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ الْخَرَاجِ؟ فَقَالَ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015