فَأَمَّا الْآدَمِيُّ عَاقِلٌ يَجُوزُ دَفْعُ أَذَاهُ بِقَتْلِهِ زَجْرًا.

وَلِهَذَا شُرِعَ الْقِصَاصُ لِمَعْنَى الْحَيَاةِ. فَكَمَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ فِي الِابْتِدَاءِ إذَا قَصَدُوا دَفْعًا لِأَذَاهُمْ وَزَجْرًا لَهُمْ عَنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ بَعْدَ الِانْهِزَامِ وَالْأَسْرِ لِمَعْنَى الزَّجْرِ عَنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ. (?)

----------------

الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ بِالصِّيَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ بِغَيْرِهِ:

(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ بِالصِّيَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ بِغَيْرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الصِّيَالَ يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ إسْقَاطِ اعْتِبَارِ إتْلَافِهِ بِسَبَبِ عِدَاهُ وَعُدْوَانِهِ وَيَقْوَى الضَّمَانُ فِي غَيْرِهِ عَلَى مُتْلِفِهِ لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ، وَلَهُ خَصِيصَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ السَّاكِتَ عَنْ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى يُقْتَلَ لَا يُعَدُّ آثِمًا، وَلَا قَاتِلًا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ لَوْ مَنَعَ مِنْ نَفْسِهِ طَعَامَهَا وَشَرَابَهَا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ آثِمٌ قَاتِلٌ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ لَمْ يَمْنَعْ عَنْهَا الصَّائِلَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ لَمْ يَأْثَمْ بِذَلِكَ وَبَسْطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ أَوْ غَيْرَهُ صَالَ فَدَفَعَ عَنْ مَعْصُومٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ مَالٍ دَفْعًا لَا يَقْصِدُ قَتْلَهُ بَلْ الدَّفْعَ خَاصَّةً، وَإِنْ أَدَّى إلَى الْقَتْلِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَيَقْصِدُ قَتْلَهُ ابْتِدَاءً لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا إلَى الدَّفْعِ فَمَنْ خَشِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ هَدَرٌ لَا يُضْمَنُ حَتَّى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَكَذَلِكَ الْبَهِيمَةُ لِأَنَّهُ نَابَ عَنْ صَاحِبِهَا فِي دَفْعِهَا وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَإِنَّ الْمُتْلِفَ ابْتِدَاءً لَمْ يَنُبْ عَنْ غَيْرِهِ فِي الْقِيَامِ بِذَلِكَ الْإِتْلَافِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: أَعْظَمُ الْمَدْفُوعِ عَنْهُ النَّفْسُ، وَأَمْرُهُ بِيَدِهِ إنْ شَاءَ أَسْلَمَ نَفْسَهُ أَوْ دَفَعَ عَنْهَا وَيَخْتَلِفُ الْحَالُ فَفِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ الصَّبْرُ أَوْلَى تَقْلِيلًا لَهَا أَوْ هُوَ يَقْصِدُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ فِتْنَةٍ عَامَّةٍ فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ عَضَّ الصَّائِلُ يَدَك فَنَزَعْتَهَا مِنْ فِيهِ فَقَلَعْتَ أَسْنَانَهُ ضَمِنْتَ دِيَةَ الْأَسْنَانِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ فِعْلِك وَقِيلَ لَا تَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَك لِذَلِكَ، وَإِنْ نَظَرَ إلَى حَرَمٍ مِنْ كَوَّةٍ لَمْ يَجُزْ لَك أَنْ تَقْصِدَ عَيْنَهُ أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تُدْفَعُ الْمَعْصِيَةُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَفِيهِ الْقَوَدُ إنْ فَعَلْت وَيَجِبُ تَقَدُّمُ الْإِنْذَارِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فِيهِ دَفْعٌ وَمُسْتَنَدُ تَرْكِ الدَّفْعِ عَنْ النَّفْسِ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ» وَلِقِصَّةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015