القتل لدفع الفساد:

وَقَالَ فِي:" الِاخْتِيَارَاتِ " إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ دَفْعُ الْفَسَادِ، وَلَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ قُتِلَ، وَحِينَئِذٍ فَمَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ جِنْسُ الْفَسَادِ وَلَمْ يَرْتَدِعْ بِالْحُدُودِ الْمُقَدَّرَةِ، بَلْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْفَسَادِ؛ فَهُوَ كَالصَّائِلِ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ؛ فَيُقْتَلُ. (?)

وَمِنْ التَّعْزِيرِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ: نَفْيُ الْمُخَنَّثِ، وَحَلَقَ عُمَرُ رَأْسَ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ وَنَفَاهُ لَمَّا اُفْتُتِنَ بِهِ النِّسَاءُ، فَكَذَا مَنْ اُفْتُتِنَ بِهِ الرِّجَالُ مِنْ الْمُرْدَانِ وَلَا يُقَدَّرُ التَّعْزِيرُ، بَلْ بِمَا يَرْدَعُ الْمُعَزَّرَ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْعَمَلِ وَالنَّيْلِ مِنْ عِرْضِهِ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: يَا ظَالِمُ يَا مُعْتَدِي وَبِإِقَامَتِهِ مِنْ الْمَجْلِسِ، وَاَلَّذِينَ قَدَّرُوا التَّعْزِيرَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ تَعْزِيرًا عَلَى مَا مَضَى مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ فَإِنْ كَانَ تَعْزِيرًا لِأَجْلِ تَرْكِ مَا هُوَ فَاعِلٌ لَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ وَقِتَالِ الْبَاغِي وَالْعَادِي وَهَذَا التَّعْزِيرُ لَيْسَ يُقَدَّرُ بَلْ يَنْتَهِي إلَى الْقَتْلِ، كَمَا فِي الصَّائِلِ لِأَخْذِ الْمَالِ يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْأَخْذِ وَلَوْ بِالْقَتْلِ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ دَفْعَ الْفَسَادِ وَلَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ قُتِلَ.

وَحِينَئِذٍ فَمَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فِعْلُ الْفَسَادِ وَلَمْ يَرْتَدِعْ بِالْحُدُودِ الْمُقَدَّرَةِ بَلْ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ الْفَسَادِ فَهُوَ كَالصَّائِلِ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَيُقْتَلُ قِيلَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُخَرَّجَ شَارِبُ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ عَلَى هَذَا، وَيُقْتَلُ الْجَاسُوسُ الَّذِي يُكَرِّرُ التَّجَسُّسَ وَقَدْ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي صَلَاحِ النَّاسِ. (?)

وقال الطبري:" وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْمُحَارِبُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَنْ حَارَبَ فِي سَابِلَةِ الْمُسْلِمِينَ وَذِمَّتِهِمْ، وَالْمُغِيرُ عَلَيْهِمْ فِي أَمْصَارِهِمْ وَقُرَاهُمْ حِرَابَةٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْحُجَّةِ أَنَّ مَنْ نَصَبَ حَرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الظُّلْمِ مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُ لَهُمْ مُحَارِبٌ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ. فَالَّذِي وَصَفْنَا صِفَتَهُ، لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ لَهُمْ مُنَاصِبٌ حَرْبًا ظُلْمًا. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَسَوَاءٌ كَانَ نَصْبُهُ الْحَرْبَ لَهُمْ فِي مِصْرِهِمْ وَقُرَاهُمْ أَوْ فِي سُبُلِهِمْ وَطُرُقِهِمْ فِي أَنَّهُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُحَارِبٌ بِحَرْبِهِ مَنْ نَهَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015