وَالآْيَةُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ لِعَمَل أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ بِهَا فِي الْكُوفَةِ زَمَنَ إِمَارَتِهِ (?) وَفِي الْحَبْسِ جَاءَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [التوبة:5].وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ الْحَصْرَ هُوَ الْحَبْسُ، وَالآْيَةُ لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً، وَإِلَى مَشْرُوعِيَّةِ الأَْسْرِ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ. (?) بَل إِنَّ الأَْسِيرَ يُسَمَّى مَسْجُونًا.

وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ} [محمد:4] وَهِيَ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَفِيهَا الأَْمْرُ بِتَقْيِيدِ الأَْسِيرِ، (?) وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَحْبُوسٌ وَمَسْجُونٌ.

وَمِمَّا يَدُل عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْحَبْسِ فِي السُّنَّةِ ما جاء عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِي: «الْوَاجِدُ يُحِلُّ عِرْضُهُ وَعُقُوبَتُهُ» (?)

وَيُقْصَدُ بِحِل الْعِرْضِ: إِغْلاَظُ الْقَوْل وَالشِّكَايَةُ، وَبِالْعُقُوبَةِ: الْحَبْسُ. وَهَذَا قَوْل جَمَاعَةٍ مِنْ فُقَهَاءِ السَّلَفِ مِنْهُمْ: سُفْيَانُ وَوَكِيعٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ. (?)

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَمْسَكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَقَتَلَهُ الْآخَرُ يُقْتَلُ الَّذِي قَتَلَ، وَيُحْبَسُ الَّذِي أَمْسَكَ» (?)

وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ أَمْسَكَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ آخَرُ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: «يُقْتَلُ الْقَاتِلُ، وَيُحْبَسُ الْمُمْسِكُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَمُوتَ»،قُلْتُ: إِنْ بَلَغَا مِنْهُ شَيْئًا دُونَ نَفْسِهِ قَالَ: «يُقَادُ مِنَ السَّاطِي، وَيُعَاقَبُ الْمُمْسِكُ»،قُلْتُ: فَإِنْ قَتَلَهُ قَتْلًا؟ قَالَ: «فَلَا يُقْتَلُ الْمُمْسِكُ