لِلْفُقَهَاءِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ فِي تَمْكِينِ الْمَحْبُوسِ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: لاَ يُمْنَعُ الْمَحْبُوسُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي الْحَبْسِ إِذَا كَانَ فِيهِ مَوْضِعٌ لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَإِلاَّ مُنِعَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ قَضَاءِ شَهْوَةِ الْبَطْنِ فَكَذَا شَهْوَةُ الْفَرْجِ؛ إِذْ لاَ مُوجِبَ لِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الْوَطْءِ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَصْلُحَ الْمَوْضِعُ سَكَنًا لِمِثْل الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ (?).
الْقَوْل الثَّانِي: يُمْنَعُ الْمَحْبُوسُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ؛ لأَِنَّ مِنْ غَايَاتِ الْحَبْسِ إِدْخَال الضِّيقِ وَالضَّجَرِ عَلَى قَلْبِهِ لِرَدْعِهِ وَزَجْرِهِ، وَلاَ تَضْيِيقَ مَعَ تَمْكِينِهِ مِنَ اللَّذَّةِ وَالتَّنَعُّمِ وَالتَّرَفُّهِ، وَالْوَطْءُ إِنَّمَا هُوَ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنَ الْحَوَائِجِ الأَْصْلِيَّةِ كَالطَّعَامِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْل بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ: أَنَّ الْمَحْبُوسَ لاَ يُمْنَعُ مِنَ الاِسْتِمْتَاعِ بِزَوْجَتِهِ فِي مَكَانٍ لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِذَا حُبِسَ بِحَقِّهَا؛ لأَِنَّهَا إِذَا شَاءَتْ لَمْ تَحْبِسْهُ، فَلاَ تُفَوِّتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ فِي الْوَطْءِ (?).
الْقَوْل الثَّالِثُ: الأَْصْل فِي وَطْءِ الْمَحْبُوسِ زَوْجَتَهُ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِ الْمَشْرُوعَةِ، وَلاَ يُمْنَعُ مِنْهُ إِلاَّ إِذَا اقْتَضَتْ ذَلِكَ الْمَصْلَحَةُ وَرَآهُ الْقَاضِي كَمَا لَوْ رَأَى مَنْعَهُ مِنْ مُحَادَثَةِ الأَْصْدِقَاءِ أَوْ قَفْل بَابِ الْحَبْسِ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْل بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ (?).
قلت: ولعل هذا الرأي هو الأرجح، والله أعلم.