وعَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: شَهِدْتُ شُرَيْحًا حَبَسَ رُسْتُمًا الشَّدِيدِ فِي دَيْنٍ.
قَالَ وَكِيعٌ: مَا أَدْرَكْنَا أَحَدًا مِنْ قُضَاتِنَا ابْنَ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرَهُ إلاَّ وَهُوَ يَحْبِسُ فِي الدَّيْنِ. (?)
وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْحَبْسِ وَلَوْ بِتُهْمَةٍ. فعَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ حَتَّى نَزَلَا مَنْزِلًا بِضَجْنَانَ مِنْ مِيَاهِ الْمَدِينَةِ وَعِنْدَهَا نَاسٌ مِنْ غَطَفَانَ عِنْدَهُمْ ظَهْرٌ لَهُمْ فَأَصْبَحَ الْغَطَفَانِيُّونَ، قَدْ أَضَلُّوا قَرِينَتَيْنِ مِنْ إِبِلِهِمْ، فَاتَّهَمُوا الْغِفَارِيَّيْنِ، فَأَقْبَلُوا بِهِمَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،وَذَكَرُوا لَهُ أَمْرَهُمْ، فَحَبَسَ أَحَدَ الْغِفَارِيَّيْنِ، وَقَالَ لِلْآخَرِ: «اذْهَبْ فَالْتَمِسْ» فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ بِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِأَحَدِ الْغِفَارِيَّيْنِ - قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ الْمَحْبُوسَ عِنْدَهُ - «اسْتَغْفِرْ لِي»،قَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «وَلَكَ، وَقَتَلَكَ فِي سَبِيلِهِ» قَالَ: فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ" (?).
وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْحَبْسِ، وَقَدْ حَبَسَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَالْخُلَفَاءُ وَالْقُضَاةُ مِنْ بَعْدِهِمْ فِي جَمِيعِ الأَْعْصَارِ وَالأَْمْصَارِ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا. (?)
وَتَدْعُو الْحَاجَةُ - عَقْلاً - إِلَى إِقْرَارِ الْحَبْسِ، لِلْكَشْفِ عَنِ الْمُتَّهَمِ، وَلِكَفِّ أَهْل الْجَرَائِمِ الْمُنْتَهِكِينَ لِلْمَحَارِمِ، الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي الأَْرْضِ فَسَادًا وَيَعْتَادُونَ ذَلِكَ، أَوْ يُعْرَفُ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَرْتَكِبُوا مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَالْقِصَاصَ. (?)
يَنْقَسِمُ الْحَبْسُ بِحَسَبِ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ إِلَى مَا كَانَ بِقَصْدِ الْعُقُوبَةِ، وَإِلَى مَا كَانَ بِقَصْدِ الاِسْتِيثَاقِ. (?)