وَإِنْ وَجَدُوا غُلاَمًا لَمْ يَبْلُغْ، بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنَّهُ يُجْعَل فَيْئًا وَلاَ يُقْتَل، لأَِنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، فَلاَ يَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً يَسْتَوْجِبُ الْقَتْل بِهَا، بِخِلاَفِ الْمَرْأَةِ. وَهُوَ نَظِيرُ الصَّبِيِّ إِذَا قَاتَل فَأُخِذَ أَسِيرًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلاَفِ الْمَرْأَةِ إِذَا قَاتَلَتْ فَأُخِذَتْ أَسِيرَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهَا.
وَالشَّيْخُ الَّذِي لاَ قِتَال عِنْدَهُ وَلَكِنَّهُ صَحِيحُ الْعَقْل بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا. وَإِنْ جَحَدَ الْمُسْتَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ فَعَل ذَلِكَ، وَقَال: الْكِتَابُ الَّذِي وَجَدُوهُ مَعَهُ إِنَّمَا وَجَدَهُ فِي الطَّرِيقِ وَأَخَذَهُ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ، لأَِنَّهُ آمِنٌ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، فَمَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ مَا يَنْفِي أَمَانَهُ كَانَ حَرَامَ الْقَتْل. فَإِنْ هَدَّدُوهُ بِضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ حَبْسٍ حَتَّى أَقَرَّ بِأَنَّهُ عَيْنٌ فَإِقْرَارُهُ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لأَِنَّهُ مُكْرَهٌ، وَإِقْرَارُ الْمُكْرَهِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الإِْكْرَاهُ بِالْحَبْسِ أَمْ بِالْقَتْل، وَلاَ يَظْهَرُ كَوْنُهُ عَيْنًا إِلاَّ بِأَنْ يُقِرَّ بِهِ عَنْ طَوْعٍ، أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِذَلِكَ، وَيُقْبَل عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَهَادَةُ أَهْل الذِّمَّةِ وَأَهْل الْحَرْبِ، لأَِنَّهُ حَرْبِيٌّ فِينَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا، وَشَهَادَةُ أَهْل الْحَرْبِ حُجَّةٌ عَلَى الْحَرْبِيِّ.
وَإِنْ وَجَدَ الإِْمَامُ مَعَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ كِتَابًا فِيهِ خَطُّهُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ، إِلَى مَلِكِ أَهْل الْحَرْبِ يُخْبِرُ فِيهِ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ الإِْمَامَ يَحْبِسُهُ، وَلاَ يَضْرِبُهُ بِهَذَا الْقَدْرِ؛ لأَِنَّ الْكِتَابَ مُحْتَمَلٌ فَلَعَلَّهُ مُفْتَعَلٌ، وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، (?)
فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِمِثْل هَذَا الْمُحْتَمَل، وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَمْرُهُ: فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَرَدَّ الْمُسْتَأْمَنَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَدَعْهُ لِيُقِيمَ بَعْدَ هَذَا فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ يَوْمًا وَاحِدًا؛ لأَِنَّ الرِّيبَةَ فِي أَمْرِهِ قَدْ تَمَكَّنَتْ وَتَطْهِيرُ دَارِ الإِْسْلاَمِ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ بَابِ إِمَاطَةِ الأَْذَى فَهُوَ أَوْلَى. (?)
مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْتَأْمَنَ يُقْتَل، وَقَال سَحْنُونٌ فِي الْمُسْلِمِ يَكْتُبُ لأَِهْل الْحَرْبِ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ: يُقْتَل وَلاَ يُسْتَتَابُ وَلاَ دِيَةَ لِوَرَثَتِهِ كَالْمُحَارِبِ. وَقِيل: يُجْلَدُ نَكَالاً