سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة:1] فَقَدْ سَمَّاهُ مُؤْمِنًا، وَعَلَيْهِ دَلَّتْ قِصَّةُ أَبِي لُبَابَةَ حِينَ اسْتَشَارَهُ بَنُو قُرَيْظَةَ، فعَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَتَادَةَ، يَقُولُ: فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ " نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [الأنفال:27] قَالَ: سَأَلُوا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بَنُو قُرَيْظَةَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، مَا هَذَا الْأَمْرُ، فَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ يَقُولُ: الذَّبْحُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ " قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: «مَا زَالَتْ قَدَمَايَ حَتَّى عَلِمْتُ أَنِّي خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (?)

وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَل هَذَا ذِمِّيٌّ فَإِنَّهُ يُوجَعُ عُقُوبَةً وَيُسْتَوْدَعُ السِّجْنَ، وَلاَ يَكُونُ هَذَا نَقْضًا مِنْهُ لِلْعَهْدِ، لأَِنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَاقِضًا أَمَانَهُ، فَإِذَا فَعَلَهُ ذِمِّيٌّ لاَ يَكُونُ نَاقِضًا أَمَانَهُ أَيْضًا. أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَقَتَل وَأَخَذَ الْمَال لَمْ يَكُنْ بِهِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ، وَإِنْ كَانَ قَطْعُ الطَّرِيقِ مُحَارَبَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بِالنَّصِّ فَهَذَا أَوْلَى. وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ مُسْتَأْمَنٌ فَإِنَّهُ لاَ يَصِيرُ نَاقِضًا لأَِمَانِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ، إِلاَّ أَنَّهُ يُوجَعُ عُقُوبَةً فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لأَِنَّهُ ارْتَكَبَ مَا لاَ يَحِل لَهُ وَقَصَدَ بِفِعْلِهِ إِلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ.

فَإِنْ كَانَ حِينَ طَلَبَ الأَْمَانَ قَال لَهُ الْمُسْلِمُونَ: أَمَّنَّاكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَمَّنَّاكَ عَلَى أَنَّكَ إِنْ أَخْبَرْتَ أَهْل الْحَرْبِ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ أَمَانَ لَكَ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - فَلاَ بَأْسَ بِقَتْلِهِ؛ لأَِنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَكُونُ مَعْدُومًا قَبْل وُجُودِ الشَّرْطِ، فَقَدْ عُلِّقَ أَمَانُهُ هَاهُنَا بِشَرْطِ أَلاَّ يَكُونَ عَيْنًا، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ عَيْنٌ كَانَ حَرْبِيًّا لاَ أَمَانَ لَهُ فَلاَ بَأْسَ بِقَتْلِهِ.

وَإِنْ رَأَى الإِْمَامُ أَنْ يَصْلُبَهُ حَتَّى يَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَهُ فَيْئًا فَلاَ بَأْسَ بِهِ أَيْضًا كَغَيْرِهِ مِنَ الأُْسَرَاءِ، إِلاَّ أَنَّ الأَْوْلَى أَنْ يَقْتُلَهُ هَاهُنَا لِيَعْتَبِرَ غَيْرُهُ. فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الرَّجُل امْرَأَةٌ فَلاَ بَأْسَ بِقَتْلِهَا أَيْضًا، لأَِنَّهَا قَصَدَتْ إِلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلاَ بَأْسَ بِقَتْل الْحَرْبِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، كَمَا إِذَا قَاتَلَتْ، إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ صَلْبُهَا لأَِنَّهَا عَوْرَةٌ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ أَوْلَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015